خاص | كلمة النهاية

أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | تغيرت معادلات الحرب في اليمن، بسرعة ونهائيًا، من حرب عدوانية ظالمة، شنها آل سعود وآل زايد، لقضم أكبر ما يمكن من أراض اليمن وثرواته، إلى حرب متكافئة، يرد فيها الجيش اليمني البطل، والميليشيات الشعبية وأنصار الله البواسل، الضربة الضربة، والعمق بالعمق، وإن كان الهروب الإماراتي هو الواضح الأوحد –حتى الآن على الأقل- فإن ما يجري في خلفيات المشهد أعمق وأخطر.
بداية، وقبل الولوج لما يحدث على الأرض وفي الغرف المغلقة، من تطورات متسارعة، لم يكن آخرها إعلان رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني، نتنياهو، مشاركة الكيان عسكريًا في الضربات الجوية لليمن الصامد، فإن الحرب السعودية، ومنذ البداية، تفتقد أي مبرر أخلاقي، فسقطت مشروعيتها عند اللحظة الأولى لانطلاق أول الغارات على اليمن.
الحرب ليست قرارًا ارتجاليًا، تدفع إليه رغبات الحسم، وتقوده أوهام القوة العسكرية وحدها، بل هو مشروع سياسي كامل، يدرك لحظة فارقة، وتقف أمامها الوسائل السياسية، بما فيها الضغط والتهديد، عاجزة، فتقرر أن تحتكم للسلاح، ويستطيع مبرر أخلاقي مناسب للمزاج الشعبي أن يستمر بحشد موارد الأمة للنهاية، في مواجهة ستصيب الجميع بنيرانها وعمق نزيفها.
ذهبت السعودية للحرب في اليمن، مخاصمة كل الظروف الموضوعية، وعجزت عن إيجاد أي مبرر، سوى عبدربه منصور هادي، الرجل القابع في فنادق الرياض، مدعيًا شرعيته عن وطن يواجه حرب وجود من أعدى أعدائه، وبالتالي لم يكن المجتمع السعودي متقبلًا فكرة التضحيات، خصوصًا والحرب هنا أمام أشقاء، كان المطلوب لها تمهيد وشحن واسع، أبعد من الاستناد لفكرة الطائفية المقيتة، التي لم يجد آل سعود في جعبتهم غيرها.
الآن وفي عامها الخامس للعدوان، فإن قلب المملكة ينزف، ضربات الجيش اليمني تصل لأبعد نقاطها، إلى الدمام، شريان النفط السعودي، وقلب منظومته، على بعد 1300 كيلو مترًا من شمال اليمن، وفشلت منظومات الدفاع الأميركي في التصدي لأي استهداف صاروخي أو بطائرات مسيرة يمنية، وبات شرق المملكة كغربها وجنوبها، رهنًا لقرار يمني بالاستهداف.
تواجه السعودية أسوأ كوابيسها في اليمن، فأسرع بن سلمان إلى الحليف الأميركي التقليدي لطلب النجدة، وعادت القوات الأميركية إلى المملكة بعد مغادرتها (الاسمية) في 2003، لمواجهة عجز السعوديين وترهل جيشهم، ومحاولة حماية سماء الرياض من الهجمات اليمنية، واستغلال فرصة الأزمة السعودية في المزيد من "حلب الأموال"، وهي اللافتة الأوضح للعلاقات في عهد "ترمب".
لكن حديث القنبلة كان من نتنياهو، وهو إعلان متبجح بالمشاركة في القتال في عدة مواقع، منها العراق واليمن، وتوجيه ضربات صهيونية ضد الشعوب العربية، ويأتي ضمن سياسة صهيونية جديدة، مصممة على الخروج بالعلاقات من الغرف المعلقة إلى أضواء الكاميرات، فالكيان الصهيوني يعتبر نفسه قائدًا لمحور –ما يسمى- الاعتدال العربي، وهو محور ذل وخنوع، لا أكثر.
وفي ظل العلاقات الخليجية الصهيونية الجديدة، فإن الوجود العسكري الصهيوني في القواعد الجوية السعودية لم يعد تحليلًا أو رأيًا، بل واقع باعتراف الطرف الأهم فيه، هذه الحرب على اليمن هي حرب صهيوأميركية، كما أشار مرات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، لم يعد الأمر قابلًا للشك أو الدحض.
لكن السؤال الأهم هنا، هل يحقق الوجود الصهيوني الأمان لآل سعود؟!
الإجابة قطعًا إن هذا الوجود سيسرع في نهاية تلك الدولة السعودية، أو الكيان الوظيفي الخادم للغرب، منذ قيامه، فلم يثبت أن قبة الوهم الصهيونية نجحت في وقف الضربات الصاروخية، حتى من غزة المحاصرة، رغم مليارات الدولارات المنفقة على تطويرها وتحسينها، وسقطت بشكل متتالي في كل اختبار عسكري، وهي على الأرجح لن تكون إلا وسيلة صهيونية لاستنزاف الأموال السعودية، وتقليل ما تنفقه الولايات المتحدة بشكل مباشر على قاعدتها العسكرية المقامة على أرض فلسطين، ونقل جزء من الأعباء إلى "بن سلمان".
إضافة إلى أن الهدف من ترويج أسطورة التفوق الصهيوني "المصنوع والممول" غربيا، هو فرض التقبل المعنوي لوجوده بين الشعوب العربية، لأن الشعوب وحدها هي العائق أمام تغلغله في المنطقة، كما يقول الصهاينة فيى تقاريرهم البحثية المنشورة والمعلنة، والهدف الثاني تضخيم البالونة الصهيونية، لإزالة إي رغبة في مقاومة وجوده واستمراره، خصوصًا بين الأجيال الجديدة، والخليج بالتأكيد ضمن المناطق العربية المستهدفة.
قرار الاستعانة بالقوات الأميركية والصهيونية يكشف بجلاء وبساطة شديدتين مدى الفشل السعودي، يوضح بؤس التخطيط وعجزه عن مجارات التغييرات الهائلة في مسرح عمليات عسكرية مفتوح لتطور هائل، وهو الاعتراف الأهم بالإنجاز اليمني المذهل.. فاليمن التي تعيش أيامها تحت قصف لا يتوقف، وحصار شبه كامل، تمكنت من التفوق على أحدث ما في الترسانات الغربية من سلاح، وقهره، وهي ذاهبة حتمًا إلى كتابة كلمة نهاية، تليق بالدماء الزكية المقدمة فداء للوطن.

 

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار