خاص | هل فهم "ابن سلمان" الرسالة

أحمد فؤاد - كاتب عربي من مصر | فهم الصراع الحالي في الشرق الأوسط، بمعاركه العديدة المشتعلة، لا تتأتى دون فهم أحد أهم اللاعبين والمحركين للأحداث، الولايات المتحدة الأميركية، التي يأتي دورها قبل أي دور، ومباركتها سابقة لأي تحرك، عسكري أو سياسي، بحقيقة أنها القوة العظمى الوحيدة، وطبيعة أنها الفاعل الأبرز على الساحة العالمية، والشرق الأوسط باعتباره قلب العالم هو ساحة حيوية من ساحات التدخل الأميركي.

المفكر والمنظر الأبرز للسياسات الأميركية، خلال سنوات طويلة، ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأسبق، هنري كيسنجر، كانت له رؤية تدعى "الترابط" بين بؤر النزاعات، ابتدعها خلال الحرب الباردة، ومعارك أميركا في فيتنام، وباختصار فإنه يقول إن النزاعات العالمية كل مرتبط، أو صور متعددة لصراع واحد، وبالإمكان الوصول مع الفاعلين الأصليين إلى هدوء في كل الجبهات، فالطرف الطالب هنا مطلوب هناك، وهكذا.
رؤية كيسنجر جاءت ضمن إستراتيجية أشمل لتثبيت "السلام"، تقوم على 3 دعائم، هي: لا بد من وجود تسوية قائمة على التفاوض يخرج منها الجميع في حالة توازن، والقوة المنتصرة يجب ألا تسحق المهزوم أو تبيده، وإنما يجب أن تمنحه قدرا ومنفذا لسلام مشرف، وأخيرًا فإن أفضل ضمان للسلام هو التوازن.
وما يهم كل عربي في كلام كيسنجر، الوارد في مذكراته بالنص، هو أن الولايات المتحدة، وفي أي صراع في العالم، لن تطالب إلا بمصالحها، وهي على استعداد تام للتضحية بالطرف المحلي، مهما استمر دعمها له، ومهما كانت علاقته به، المهم هو المصلحة ولا شيء غيرها.
كان التطبيق الأول لإستراتيجية ثعلب السياسة الأميركية، وأحد أهم سياسييها عبر التاريخ، هو تقليل الوجود العسكري في فيتنام الجنوبية، ما أوصل للانسحاب الكامل من البلد الحليف، وسقوط سايغون في إبريل/نيسان 1975، في مشهد مهيب، أمام قوات الفيتكونج، بقيادة الجنرال "جياب"، والتي كانت أشهر مدن آسيا قاطبة، خلال سنوات الحرب الباردة، وخاصة فترة الحرب الأميركية على فيتنام.
السياسة الأميركية على الدوام مستعدة في لحظة ما للتخلي عن الحلفاء، وتركهم لمصيرهم، في حال فشل الحليف بأداء دوره كاملًا، وهو درس تاريخي بليغ، يتكرر على مر الزمن والعصور.
الصراع الحالي في الشرق الأوسط يمضي على الوتيرة ذاتها، التي تعتمدها واشنطن تجاه كل صراعاتها، وخاصة مع إيران، فالإدارة الأميركية تريد –وبشدة- التوصل لاتفاق يضمن أمن الكيان الصهيوني لا أكثر ولا أقل، ويبعد التهديد الإيراني عنها تمامًا، وإلى أجل غير منظور، لضمان تمرير صفقة القرن، ورئاسة "ترمب" نفسه مهددة، ما يجعل الرهان عليه خسارة سعودية مؤكدة، وإن أكملها، فالفوز بفترة جديدة أشبه بحلم مستحيل.
سياسات ترمب العدائية مع العالم شرقه وغربه محكوم عليها بحدود، لن يستطيع تجاوزها، فالقوة في واشنطن للدولة العميقة، المكونة من مصالح المال والسلاح، والمؤسسات الراسخة، وهي كلها قادرة على تعطيل أي قرار يتخذه، وتحويله إلى حبر على ورق، وقد شهدنا ذلك في قرار إنشاء الجدار الحدودي مع المكسيك، وكيف أن قرار الرئيس الأميركي ظل حبيس درج المكتب البيضاوي، بلا طريق نحو الفاعلية.
في المقابل فإن مؤسسات الحكم تمرر ما تريد لـ"ترمب"، تنفذ ما يتفق مع السياسات الأميركية فقط، وما ترى أنه يحقق مصالح أميركا، مثل قرار الاعتراف بالجولان، أو نقل السفارة الأميركية لدى الكيان الصهيوني إلى القدس، وهي مندفعة إلى تأييد صفقة القرن، وإلى محاولات تحجيم القوة الصينية البازغة، والتي توشك أن تحتل مقعد قيادة العالم اقتصاديًا، على الأقل.
المملكة تندفع في عدائها لإيران إلى الحد الأقصى، طبول زاعقة تريد الحرب، متناسية أن الأرض السعودية كلها في مرمى صواريخ الحرس الثوري والجيش الإيرانيين، ودرس الحوثيين باستهداف خطوط نقل ومحطات ضخ البترول، يعد ألعابًا ترفيهية، إذا ما وقعت حرب شاملة في المنطقة، وهي رسالة أكثر منها عملية عسكرية، فهل فهمها "ابن سلمان"، قبل فوات الأوان.
الصواريخ الحوثية، أو الطائرات المسيرة، تسببت فورًا في صدمة لبورصات الخليج، في السعودية والإمارات تحديدًا، والحرب على اليمن لم يعد من داع للاستمرار فيها، خصوصًا مع الخسائر المتعاظمة، والتي انتقلت إلى الجانب السعودي، بعد عدة سنوات من الاعتداءات بغير رد داخل المملكة، الآن تغيرت قواعد اللعبة، وصار الدم مقابله دم، وقديمًا قالوا لا تضع كل البيض في سلة واحدة، والسلة الأميركية ليست آمنة على الإطلاق لمستقبل السعودية وحلفائها.

(راصد اليمن | خاص)

آخر الأخبار