خاص | معركة اليمن الموازية

إيهاب شوقي -كاتب عربي مصري | تمر اليمن بمعركة موازية لمعركتها الحربية في مقاومة العدوان الغاشم، الا وهي معركة داخلية، تشكل اختبارا للوعي وتمثل محطة فرز وطني، وهي مرحلة يمنية مفصلية سيذكرها التاريخ، وستحللها الابحاث والدراسات، وستتحاكى عنها الاجيال القادمة.
ولان المفاوضات سارية وان اخترقت تفاهماتها، ولان المقاومة مستمرة لمحاولات خلق اوضاع عسكرية جديدة، او فرض واقع سياسي بالقوة، ولانها بخير وتمارس دورها العسكري والسياسي، فالحديث عن المعركة الداخلية، يجدر ان يلقى عليه بعض الضوء.
شهدت السنوات التي سبقت ما يسمى "الربيع العربي"، كتسمية ملونة، اعدت بها ثورات ملونة لتختلط بالثورات الحقيقية التي اطلت برأسها على المنطقة بعد عقود من الفساد والتبعية وقهر الشعوب, محاولات لزرع شقاق قبلي وطائفي وتناقضات تعلو على التناقضات مع الاستعمار.
وهذا الخلط كان مؤامرة حقيقية، وهدف المؤامرة هو احلال قوى وتيارات بديلة للانظمة التي ستسقط حتما عقب الثورات الحقيقية، ليكون هناك بديلا تابعا في مناطق اخرى، او في ذات الدول التي ستسقط انظمتها.
والحاصل، ان في مصر مثلا عندما سقط نظام تابع، تحركت بالمقابل ثورة ملونة في سوريا، خشية ان ينجح نظام مقاوم في استلام السلطة بمصر، ليجتمع الجناحين المصري والسوري على الممانعة ورفض كامب ديفيد، والاحاطة بالصهاينة.
وبالتوازي ايضا، عندما تحركت الثورة باليمن، تمت محاولات اهدار الثورة وحرفها عن مسارها بايقاع القوى السياسية بعضا ببعض، وعندما باءت المحاولات بالفشل وبزرع تابعي السعودية والغرب، حدث العدوان الغاشم، كما حدث بسوريا عقب اليقين بفشل الثورات الملونة.
والمعادلة هنا هي ابقاء مفاصل تابعة للغرب، اما بصورة مباشرة، او عبر وكلاء الاستعمار والصهاينة، مثل الوكيل السعودي، وتتنوع الاساليب، اما بالترغيب والتمويل، واما بالترهيب والعدوان.
من هنا فان الاختبار والفرز الوطني، مجاله هو الاصطفاف، اما مع اليمن ومن يمثل حريتها وسيادتها حتى لو هناك خلافات، واما الاصطفاف مع العدو ووكلائه.
ان من اهم ادبيات الثورات المشبوهة هو الايمان بمبدأ مفاده "العبرة بالقدرة على التغيير لا بنوايا القوى المشاركة في التغيير"، وهو مبدأ يتم تدريسه لنشطاء (الكفاح السلمي)، من الذين ساندوا الناتو في عدوانه على اقطار عربية لتغيير النظام بالقوة، معتمدين على ان الهدف هو اسقاط النظام، بصرف النظر عن نوايا الناتو او القوى المساهمة في اسقاطه، ورغم ان المبدأ مدان اخلاقيا ووطنيا، الا ان النتائج ايضا غنية عن بيان الدمار اللاحق بالاقطار التي وقعت فريسة لهذا المبدأ.
كيف تتحالف قوى تعتبر نفسها يمنية مع بلد يقصف اراضيها واهلها بالطائرات، واي شخص هذا يشار اليه بالشرعية، يحل ضيفا ببلد تقتل شعبه وتدمر بنيته؟!
حتى لو هناك خلاف سياسي بين بعض التيارات وبين انصار الله ومع المقاومة للعدوان، فما هو الاولى بالاصطفاف؟ الاصطفاف مع من يدافع عن اليمن ام مع من يدمرها ويقتطع اراضيها وخيراتها وموانئها علنا وبخطط مكشوفة.
تسقط اي دعاوى واي مبررات امام الاصطفاف مع العدوان وادانة المقاومة، وهي محطة فرز فارقة، وسيسجل التاريخ اسماء اشخاص وقوى لم تشترك بالمقاومة وصد العدوان ثم تجلس للحوار الوطني لاحقا بعد ازالة العدوان.
وكل يمني ينبغي ان يكون رقيبا على نفسه وعلى غيره، وهو يشاهد وطنه يدمر، ويشاهد قوى واسماء تتخذ شعارات وتنتحل ايدلوجيات اما قومية او اسلامية او ليبرالية، ولا يكون همها الاول هو ازالة العدوان، وهو ثابت وطني جامع للفرقاء، ومن يشذ عنه يقع في شبهة الخيانة بشكل مباشر.
التحرير بالتفاوض او بالمقاومة المسلحة هو هم وطني ومعيار فرز اخلاقي، والحوار الوطني وترتيب الحكم هو لاحق على التحرير والاستقلال، ولو هناك مخاوف مصدرها ظنون من سيطرة خصم سياسي، فهي تتلاشى امام مخاوف مصدرها واقع من احتلال وزرع نظام ولاؤه لمن وضعه على كرسي الحكم!
ان اللحمة الوطنية وتغليب المصلحة الجمعية على الخلاف او التنافس او حتى الصراع الداخلي السياسي، هي حتمية تاريخية في هذه اللحظات الحرجة، واي مساس او تلاعب هو في صالح العدوان وفي صالح تقسيم اليمن ونهبها، الا اذا كانت هناك رغبات للتقسيم ومصالح مع العدوان واحقاد يعلو صوتها على صوت الانتماء الوطني، فهذا شئ اخر غير الانتماء والتحرر الوطني.

 

(خاص | راصد اليمن)

 

آخر الأخبار