من أزمة العملة إلى الانتهاكات: 2018 عام تفاقم الكارثة

«شهد العالم 2018 أسوأ كارثة إنسانية في اليمن هزت الضمير العالمي، ودفعت العالم للضغط على أطراف الصراع لعقد مشاورات في السويد قد تفضي إلى إيقاف الحرب ووضع جد المعاناة الإنسانية»، الكلام هنا لرئيس منظمة «سام» للحقوق والحريات توفيق الحمدي، في العام الذي شهد وصول الأزمة المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة.
أزمة العملة
مع نهاية العام 2018، وبرغم التحسن النسبي لأسعار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، في الشهرين الأخيرين، إلا أن الأزمة تمثل المحطة الأبرز في تفاقم الأوضاع الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، ولا تزال تطحن المواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع المستمر.
لطيفة، أرملة وأم لطفلين من محافظة ذمار، تقول لـ«العربي»، إنها برغم ما تم الإعلان عنه من مراجعة بعض الأسعار بعد تحسن أسعار الريال، لكنها لم تستطع تغطية احتياجات المنزل بما فيها شراء الأرز، واكتفت بشراء القمح، بينما كان المبلغ الذي تحصل عليه كمعونة شهرية من أحد الأقارب يوفر لها الحد الأدنى من المتطلبات حتى منتصف العام الجاري، وهو أبرز تحول ترك بصمتها في الحياة المعيشية لأسرتها، على مدى الشهور الماضية.
من جانبه، يرى عبدالغني حمود، وهو مالك بقالة لبيع المواد الغذائية، إن أزمة انهيار العملة رفعت الأسعار في بعض السلع لما يصل 70%، وحتى الآن لا يسمح التحسن بأسعار الريال بعودة أسعار السلع على ما كانت عليه، ويضيف لـ«العربي»، أن «المواطن مسحوق والقدرة الشرائية تراجعت بشكل كبير خلال 2018 مقارنة بما كانت في السابق».
حافة كارثة كبرى
عقب زيارته الأخيرة إلى اليمن، حذر وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، مطلع ديسمبر الجاري، من أن اليمن على حافة كارثة كبرى، وأشار إلى أن الأوضاع تدهورت بشكل مثير للقلق، بالمقارنة مع زياراته السابقة.
أحدث الأرقام التي نشرها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية هي الأخرى، مفزعة، حيث أفاد بأن التحليل الدولي الأخير يشير إلى أن أكثر من 20 مليون شخصاً يواجهون انعدام أمن غذائي حاد في اليمن، وهو رقم يمثل ثلثي السكان. وأكد المكتب أنه لأول مرة، ارتفع تصنيف الكارثة الإنسانية التي يعانيها اليمنيون إلى المرحلة الخامسة، كما أن أعداداً كبيرة من الأسر في معظم المناطق اليمنية تلجأ لتقليل عدد الوجبات الغذائية واستهلاك أطعمة أقل، وهي إجراءات سلبية، بحسب المنظمة. 
كوارث متعددة
من جانبه، يقول الناشط الحقوقي بكرين توفيق لـ«العربي»، إن «الأزمة الاقتصادية تعد الأخطر في حياة اليمنيين، واستمرارها وتوقف الرواتب وارتفاع الأسعار وتدهور العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية كان كارثة ولا شك»، وذلك «خصوصاً مع الأزمة الإنسانية المتمثلة بالحرب وعمليات النزوح المتكررة، والحصار المتمثل بالتضييق على اليمنيين وصعوبة إجراءات السفر لمختلف الأغراض».
ويضيف توفيق أنه «في الواقع اليمنيون في وضع لا يحسدون عليه في مختلف القطاعات والصعد، بما في ذلك الصحة، وهو موضوع يكاد يكون غائباً في كثير من الأحيان عن الواجهة»، حيث يعاني الكثيرون من صعوبة توفر الدواء أو ارتفاع أسعاره وانتشار الادوية المزورة». كما يقول إن الكهرباء أيضاً «من أهم القضايا التي يجاهد اليمنيون في سبيل توفيرها، منذ توقف محطة مأرب عن إمداد المحافظات بالكهرباء، وهو موضوع يتم تجاهله باستمرار لصالح تجار المولدات والطاقة الشمسية»، والأخيرة يقول إن اليمنيين اكتشفوا أن «خسائرها أكثر من فوائدها، ولو ترك لنا الأمر لنعدد حجم الكوارث التي تحيط بنا لما وسعنا مقال ولا مجلد ولكن نكتفي بالتلميح لما نعتبره الأهم».
استمرار الانتهاكات
وفي سياق حديثه عن المعاناة الإنسانية، في العام 2018، يقول رئيس منظمة «سام» توفيق الحميدي، أن الشهور الماضية، شهدت استمرار انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأطراف، ويرى أن أهم «هذه الانتهاكات كانت الاعتقالات التعسفية سواء من قبل جماعة الحوثي في صنعاء أو القوات المسلحة والمدعومة إماراتياً في جنوب اليمن وفي سجون خارج سيطرة حكومة الشرعية، في كلٍ من عدن وحضرموت وشبوة على وجه الخصوص وبعض الحالات في مأرب، وتعقيد ملف الاعتقال التعسفي مرتبط بالأسرة والطفولة والوضع الاقتصادي، وتسرب الاطفال من المدارس الى سوق عمل غير امن إضافة إلى التعذيب والتعذيب المفضي للموت».
ويرى الحميدي أنه مما فاقم الأزمة «استمرار الغارات الجوية من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، والتي أدت إلى إصابة مدنيين ومقتل العشرات من الأطفال والنساء وتدمير العديد من الممتلكات الخاصة والعامة، وكان أشهرها واقعة باص صعدة، وبجانب ذلك، هناك الهجمات العشوائية بقذائف الهاون من قبل جماعة الحوثي على مناطق مزدحمة بالسكان خاصة مدينة تعز، إلى جانب تجنيد الأطفال المستمرة والتي تستنزف الطفولة في اليمن وتحولها إلى وقود للحرب».
آثار في كل جوانب الحياة.. وأمل في 2019
إلى ذلك ترى، الإعلامية سامية محمد العنسي، أن اليمنيين بحاجة لاسترجاع ثلاث سنوات قبل العام 2018 «لنضع ما مررنا به بين إطار التأمل والمكاشفة»، مضيفة أن «الحرب ومآسيها وتداعياتها الموجعة لا شك تركت آثارها في كل جوانب الحياة، وخاصة الجانب الاقتصادي الذي أصاب العديد منا في مقتل جوعاً وتجويعاً وشتاتاً وتباعداً».
بالإضافة إلى ذلك، ترى العنسي أن الحرب كشفت ما لم يكن بالتوقعات، وصنعت «صدماتها النفسية في مواقف البعض وعواطفهم وقيمهم الزائفة فهنا مع الأسف الحرب عرت الكثير من الأدعياء والمتسترين وراء العاطفة وإنسانيتها المهترئة»، أما العام 2018 كان استثناءً محزناً مع الأسف الشديد «في انكشاف معادن من نسجنا معهم علاقات اجتماعية وإنسانية طويلة الأمد بعمرها لكنها قصيرة في حقيقتها وتأثيرها».
وبالرغم من مقدار الألم الذي تسرده العنسي في حديثها عن الآثار التي تركتها الحرب، تختم لـ«العربي»، أنه «يبقى الأمل في قلوبنا أبيضاً جميلاً في عام قادم إن شاء الله، يصلح النفوس ويسعد القلوب ويعلمنا مما مضى، بأن الجمال سيزهو من جديد مهما شوهته المصالح، وأن طريق النجاح خطوتنا الجديدة مهما أحبطتنا الظروف، وأن النهوض من جديد موعدنا القادم من أفق 2019 إن شاء الله، وهكذا نأمل أن يكون 2019 مُشرقاً بإذن الله».

(صفية مهدي - العربي)

آخر الأخبار