السعودية تصادر «مؤتمر الحمدي» لتحقيق أمن تل ابيب

في الوقت الذي لا يزال فيه «التحالف» غارقاً في رمال الساحل الغربي في اليمن، فإنه يتجه لتمكين الدول الاستعمارية «أمريكا وإسرائيل» للسيطرة الكاملة على البحر الأحمر. فالرياض التي تقود تحالف حرب ضد اليمن منذ أربع سنوات تتجه بضوء اخضر امريكي وبمباركة إسرائيلية إلى تشكيل تحالف جديد للدول المطلة البحر الأحمر، يضم كلاً من السعودية ومصر والسودان والصومال وجيبوتي والأردن وحكومة هادي اليمنية الموالية للرياض.
المشروع المعلن اليوم من قبل السعودية تحت ذرائع مختلفة هو لأهداف لا علاقة لها بأمن البحر الأحمر ولا الأمن القومي العربي، ويعد استنساخاً ومصادرة لمؤتمر «تعز العربي» الذي عقده الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي بمشاركة عدد من الدول المطلة على البحر الأحمر وبمشاركة الجامعة العربية، والذي كان يهدف إلى وقف أي مطامع وتدخلات أجنبية بالبحر الأحمر. ولكن السعودية التي قاطعت ذلك المؤتمر آنذاك تتجه اليوم لتشكيل تحالف مماثل يخدم المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة على حساب الأمن القومي العربي وأمن البحر الأحمر في ظل التقارب السعودي الإسرائيلي الكبير مؤخراً.
التحرك السعودي تجاه تشكيل كيان شكلي لدول البحر الأحمر، جاء ايضاً بعد تحريض إعلام «التحالف»، من خطورة حركة «أنصار الله» في باب المندب، وتهويل الدور الإيراني في البحر الأحمر. إلا أن ذلك الاتجاه قد يدفع روسيا والصين وإيران ودولاً أخرى للتدخل أيضاً في حال ما أصرت الرياض على الاستمرار في تلك الخطوة مستعينة بحكومة هادي التي لا تمتلك أي شرعية على الأرض في الساحل الغربي وفي باب المندب وتحديداً في جزيرة ميون. فالإمارات والقوات الموالية لها تسيطر على مدينة المخا ومعسكر العمري المطل على باب المندب وميون والذي يحتضن غرفة عمليات أمريكية-إماراتية، وتتواجد عسكرياً في جزيرة ميون التي تعرف بعنق باب المندب، وعمدت على تهجير سكانها من منازلها وحولتها إلى قاعدة عسكرية إماراتية أمريكية، كما لا تتواجد أي قوات موالية للرئيس هادي في الساحل الغربي، ولا تمتلك حكومته أي سيطرة في الساحل.
التحالف يهدد أمن البحر الأحمر
أكد مصدر عسكري في العاصمة صنعاء، في حديثٍ خاصٍ لـ«العربي» أن «القوات المسلحة واللجان الشعبية تحترم كل القوانين والاتفاقيات البحرية والقانون الدولي وملتزمة بتأمين وحماية وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب ومواجهة أعمال القرصنة والأعمال الإرهابية».
وأشار المصدر إلى أن «السعودية وحلفاءها وأذيالها هم العدو الحقيقي لسلامة الملاحة البحرية التجارية والمدنية، مع محاولتهم تدويل واقع العدوان وتوريط قوى دولية»، لافتاً إلى أن «اليمن قبل غيره يهمه أن يكون مضيق باب المندب والبحر الأحمر بحيرة سلام وأمن واستقرار، وأن التهديد الفعلي لأمن البحر الأحمر هو من هواة الحروب والمغامرات العسكرية وأولهم السعودية وحلفاءها الذين بدأوا بالعدوان على اليمن في 26 مارس 2015، ولازالوا يشعلون الحرائق ويرتكبون الجرائم على مسمع ومرأى من العالم».
أمن إسرائيل اولاً
في أغسطس الماضي كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن «وجود توجه إسرائيلي لتشكيل قوة عسكرية لحماية مضيق باب المندب أمام أي محاولات لإغلاقه»، مؤكداً أن أي «محاولات إيرانية لإغلاق باب المندب فإنها ستجد نفسها في مواجهة تحالف دولي ضدَّها، ستشارك فيه إسرائيل». ذلك التهديد أعقبه تهديد آخر من وزير الحرب الإسرائيلي في حينها، أفغدور ليبرمان، الذي عبر عن قلقه من تباطؤ ما أسماها بـ«القوات العربية» في السيطرة الكاملة على الساحل الغربي. وأكد ليبرمان أن «فشل تلك القوات في السيطرة على الساحل الغربي يعرض مصالح أسرائيل في البحر الأحمر للخطر».
ويعود الاهتمام الإسرائيلي بمضيق باب المندب منذ حرب أكتوبر 1973، حينما أغلقت اليمن باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، وعززت تواجدها العسكري في بعض جزر البحر الأحمر لمنع تل ابيب من استخدامها لفك الحصار. وعلى الرغم من سيطرة إسرائيل على مضائق تيران، إلا أنها لم تؤمّن لها حرية الملاحة وسلامة المرور باتجاه أفريقيا والشرق الأقصى.
ونتيجة لحق اليمن في السيادة على باب المندب، فقد اشترطت في يوليو عام 1974، حصول السفن والطائرات الحربية والسفن التي تحمل مواد خطرة على أذن مسبق بالمرور، وذلك حفاظا على الأمن القومي لليمن. وأكدت أن «موقفها من حرية الملاحة الدولية في المضيق محدد بتشجيع الملاحة الدولية عبر المضيق شريطة عدم الإضرار بسيادة أو وحدة أو أمن أو استقلال اليمن». إلا أن إسرائيل اعتبرت ذلك الإجراء، يهدد أمنها في البحر الأحمر، فحاولت تدويل باب المندب عبر توظيف عدد من الصراعات، لكن تلك المحاولات فشلت، فظلت تل أبيب تتواجد عسكرياً بالقرب من باب المندب وتحديداً في جزر أثيوبية واريترية.
مشروع الحمدي يغضب الرياض
ذلك الإلحاح الإسرائيلي لتدويل باب المندب وفرض وجودها فيه، قوبل بردة فعل مضادة من قبل الرئيس الأسبق، إبراهيم محمد الحمدي، الذي عقد أول مؤتمر للدول المطلة البحر الأحمر في مدينة تعز في مارس من عام 1977، كتحالف عربي مستقل مكون من اليمن الشمالي والجنوبي حينذاك والسودان والصومال، في مواجهة الأخطار التي تتهدد أمن البحر الأحمر، إلا أن الرياض مارست ضغوط على عدد من قادة دول عربية وحالت دون مشاركتهم. وحسب وثائق المؤتمر، فإن الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، أكد في كلمته الافتتاحية للجلسة الأولى للقادة المشاركين بالمؤتمر أن «الدول مطلة على البحر الأحمر مسؤولة عن حقها في السيادة الوطنية على مياهها الإقليمية». وأشار الرئيس اليمني، إلى أن «المؤتمر ليس ضد احد ولا أرى فيه خروجاً على حقنا المشروع بالتعاون المشترك على ما فيه حماية سيادتنا، في ظل وجود مخاطر ومحاولات للزج بالدول المطلة على البحر الأحمر في حلبة الصراع الدولي، ولذا تقع علينا اليوم مسؤولية عظيمة جداً هي الخروج بأوطاننا من شباك الصراع الدولي، إذ ان الدخول فيه يعني التوريط والمجازفة والمخاطرة بالمصالح الوطنية العليا لأوطاننا وشعوبنا الى جانب الاحتمالات المخيفة الأخرى». واختتم الحمدي كلمته بالقول: «مؤتمر تعز يخدم الامن والسلام في العالم، ولابد ان يتأكد الجميع من اننا لن نكون ابداً أداة صراع ومخالب غدر».
ورغم أن مؤتمر الدول المطلة على البحر الأحمر كان يهدف إلى وضع استراتيجية شاملة للدول المطلة على منطقة البحر الأحمر من أجل تحرير أمن المنطقة، ومضيق باب المندب من تداعيات الصراع الدولي، إلا أنه ذلك التحرك العربي أغضب الرياض وتل أبيب حينذاك. واليوم تتبنى الرياض نفس المؤتمر لتحقيق اجندة ومطامع دولاً أجنبية.

(رشيد الحداد - العربي)

آخر الأخبار