عرض مقدّم لدونالد ترامب

سريعاً طار وفد سعودي إلى الولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016. لم يكن لدى «الرجل الأول» في الرياض، ولي ولي العهد (آنذاك) محمد بن سلمان وقتاً لإضاعته. بدأت مراسم مُبايعة الرئيس المنتخب الجديد حتى قبل تنصيبه ودخوله البيت الأبيض. أمراء السعودية المُعتادون المبايعة على «السمع والطاعة» لمَلِكهم، كان في جعبتهم ما يفوق ذلك في واشنطن. وثيقة سريّة حصلت عليها «الأخبار» تُظهر عرضاً مقدماً لرئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتخب.
الرياض ليست الوحيدة التي سارعت لجذب اهتمام ترامب، ولكن العرض السعودي لم يقتصر على تقديم جُملة من المبادرات والتمنيات والتوقعات التي تتعلق بمستقبل العلاقات والشراكات الاستراتيجية القائمة بين البلدين. الرياض، رسمياً، سلّمت نفسها للإدارة الأميركية الجديدة، واضعة مفتاح سياساتها الداخلية والخارجية بين كفّي الرئيس الذي لطالما كان من أشد منتقدي الشراكة الأميركية - السعودية قبل وصوله إلى كرسي الرئاسة.
تطاول الوثيقة، وهي بعنوان «مبادرات رؤية المملكة العربية السعودية للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية»، جميع مجالات الشراكة بين الرياض وواشنطن، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً.
في السياسة، تؤكد الوثيقة سعي الرياض إلى «توظيف مكانة وتأثير السعودية في العالمين العربي والإسلامي لتحقيق المصالح المشتركة للبلدين في المنطقة»، ورغبتها في «تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط وحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي». ويقدّم الجانب السعودي نبذة عن المكاسب التي ستحققها واشنطن من تعميق الشراكة الاستراتيجية السياسية مع الرياض، ومن ضمنها: تعزيز موقف واشنطن التفاوضي مقابل روسيا من خلال تمكين الولايات المتحدة من التلويح بالضغط على المملكة لرفع قدرتها الإنتاجية إلى 15 مليون برميل نفط يومياً؛ إنشاء منطقة تجارية أميركية على ساحل البحر الأحمر تكون بوابة أميركا لأفريقيا والشرق الأوسط؛ تأسيس صندوق إنمائي مشترك مع دول الخليج لتنمية أفريقيا برأس مال قدره 50 مليار دولار أميركي؛ الضغط على السودان للسماح بتأسيس قاعدة أميركية هناك؛ العمل على الحد من الشراكة بين مصر وروسيا وعدم السماح بتأسيس قاعدة روسية هناك؛ العمل على تعزيز العلاقات الأميركية مع الدول الإسلامية، مثل باكستان.
عسكرياً، تشير الوثيقة إلى أن السعودية «تسعى إلى توظيف قدراتها العسكرية في سبيل تحقيق المصالح المشتركة للبلدين»، من خلال عدّة إجراءات أبرزها التعاقد مع وزارة الدفاع الأميركية لتوفير معلومات عن الأهداف في اليمن بمبلغ 200 مليون دولار، ومنح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر. كذلك وعدت الرياض الإدارة الجديدة بزيادة الإنفاق على الدفاع والتعاون مع قوات الدفاع الأميركية بـ50 مليار دولار خلال أربع سنوات. ولم تكتف السعودية بتقديم المال والقواعد العسكرية بل وضعت أبناء الشعوب العربية والإسلامية تحت إمرة واشنطن، مفرّطة بأرواح ما بين 34 ألف جندي إلى 50 ألفاً من 37 دولة. وفق الوثيقة، فإن هذه القوات ستعمل ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وهي جاهزة «في حال رغب الرئيس المنتخب في توظيفها».

اقتصادياً، أبدى الوفد الرسمي استعداده للاستمرار باستنزاف الخزينة السعودية وإغداق الأموال على واشنطن من خلال زيادة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في الولايات المتحدة بقيمة تصل إلى 200 مليار دولار «خلال الأربع سنوات المقبلة». فضلاً عن ذلك، اقترحت الرياض إنشاء صندوق مع دول مجلس التعاون الخليجي لتمويل مشاريع استثمارية في البنية التحتية في الولايات المتحدة الأميركية بقيمة تتراوح من 50 إلى 100 مليار دولار، والاستثمار السعودي - الأميركي المشترك في قطاعات تتعلق بالطاقة وغيرها بقيمة 70 مليار دولار حول العالم.
أمنياً، تتمسك الرياض بالتعاون الاستخباري والمعلوماتي مع واشنطن، وفي هذا السياق، تقدّم خدماتها وتقترح لعب دور في تطبيق استراتيجية الفحص لطالبي الإقامة (Extreme vetting) «تحقيقاً لحماية الأمن الداخلي والمصالح العليا للولايات المتحدة». كما أن الوثيقة تشير إلى إمكانية توسيع نطاق التعاون في مجال الأمن السيبراني مع الولايات المتحدة ليطاول أكثر من 50 دولة إسلامية.
والمثير للاهتمام أن الرياض لم توفر وسيلة «إقناع» إلا واستخدمتها في عملية الترويج لهذه «الرؤية»، إذ تتضمن الوثيقة «معلومات عامة» تحفيزية تتعلق بكل مجالات التعاون، إضافة إلى جداول تظهر «المواءمة» بين الرؤية السعودية وأهداف البرنامج الانتخابي لترامب.
على سبيل المثال، وفي ما يخص مجال الشراكة الاستراتيجية الأمنية، تسلّط الوثيقة الضوء على مكانة السعودية في العالم الإسلامي والنفوذ الذي تتمتع به «كونها قبلة المسلمين»، مشيرة إلى «الجهود الفكرية والإعلامية الموجهة نحو تعزيز الاعتدال ومحاربة التطرف». وفي محاولة لإقناع الإدارة الجديدة، التي أظهرت وثائق أخرى تشكيك بعض شخصياتها بموقف السعودية المعادي للتطرف والإرهاب، عددت الرياض «إنجازاتها» في هذا المجال والسبل التي تستطيع من خلالها مساعدة واشنطن في «هزم أيديولوجية الإرهاب والتطرف الإسلامي كما فعلت سابقاً في الحرب الباردة». وفق الوثيقة، تمتلك السعودية «عوامل تأثير في الفكر والإعلام»، من ضمنها «امتلاك أكبر منظومة إعلامية في المنطقة بنسبة مشاهدة تصل إلى 500 مليون نسمة»، و«أكثر من 2000 مفكّر إسلامي يتميّز هؤلاء بالتأثير الأعلى في العالم الإسلامي لكونهم الأقرب إلى لغة القرآن الكريم».

(الأخبار - إيلي حنا)

آخر الأخبار