خاص | التحدي اليمني الأهمّ

أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | يقف اليمنيون اليوم على موعد مع كتابة تاريخ جديد، لمنطقتهم أولًا ولبلدهم ثانيًا، بعد انتصار واضح قاطع مذهل على تحالف الشر والعدوان من الأنظمة العربية العملية، عقب إعلان رئاسة اللجنة الثورية العليا، ممثلا في السيد محمد علي الحوثي، وقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، لتوفير مناخ ملائم لوقف الغارات نهائيًا.
العدوان هُزم عسكريًا، ولم يستطع تحقيق أي هدف معلن له، لم يسقط الحكومة الشرعية، ولم يدخل صنعاء أو الحديدة، ولم يتمكن من كسر إرادة القتال لدى الشعب اليمني وجيشه الباسل، رغم كل الأسلحة والغارات، والقيادة الشرعية الوحيدة للشعب اليمني تدرك أين تقف وكيف تتصرف.
الحرب على اليمن، والتي تمثل نقطة في بحر تاريخها المقاوم والأبي، لم تكن يومًا مطرحة للقسمة على اثنين، ولم يشعر أي مؤيد لكفاح الشعب اليمني بالخوف من التراجع أو الهزيمة، فالإرادة الحرة التي عايناها خلال معارك الحديدة –بالذات- توضح بجلاء أن اليمن كانت تحت نير عدوان همجي، لكنها لم تكن أبدًا عرضة للهزيمة.
في الحروب تجد الأمم ذاتها، وترتبط أكثر فأكثر بقيمها العليا، الأرض والوطن والفداء، وقد تحقق بعض الشعوب ما يعز على غيرها تحقيقه في سنوات السلام، مثلما فعل اليمني العادي أمام أحدث الأسلحة الأميركية، ومثلما كان الاتحاد السوفيتي السابق في الحرب العالمية الثانية.
خلال الحرب قتل 27 مليون شخص من الاتحاد السوفييتي "السابق"، وخسر حوالي نصف السكان بيوتهم، ورغم أن عملية نقل المشاريع الصناعية الأساسية من المناطق الغربية الأكثر تأثراً بالحرب إلى المناطق الأكثر أمناً في الشرق، قد أبقت على جزء مهم من تلك المشاريع سليمةً، إلا أن الخسائر الكلية لرأس المال في المشاريع الاقتصادية والممتلكات الشخصية بلغت ثلثي الثروة الكلية قبل الحرب، بالإضافة إلى 33% خسائر الصناعة، 40% من مجمل إنتاج القمح، أكثر من ربع المنشآت والأبنية، و 32% من المشاريع المملوكة للدولة، ودمرت المدينة الصناعية الأهم في العالم الشيوعي "ستالينجراد" تمامًا.
لكن الإنتاج الصناعي السوفيتي تضاعف، خلال فترة الحرب، نحو 7.7 مرة، وارتفع إنتاج البترول إلى أرقام قياسية، وتمكنت المصانع –بعاملات نساء- من توفير حاجة الجيش الأحمر من الدبابات والطائرات والذخائر، ليصعد السوفيت إلى مرتبة القوة العظمى الثانية عالميًا، ويرفض "ستالين" مشروع مارشال الأميركي لإعادة الإعمار.
لكن هل تتوقف فعلًا الحرب على اليمن، أما أن تحالف العدوان سيحاول تغيير قواعد اللعبة، بعد الانكشاف الدولي، والفضيحة التي أثارها الإعلام الغربي، والضغوط المتنامية على شركات السلاح الغربية لوقف تزويد جيوش العدوان بالأسلحة والذخائر.
التاريخ يقول إن الحرب السعودية على اليمن مستمرة، منذ نشأة المملكة السعودية الثالثة، ولم تتوقف في أي وقت، وإن كان سلاحها مختلفًا، فالسلاح السعودي المفضل هو المال، وفي هذه الأيام هو أخطر عدو سيواجه الشعب اليمني الأبي، في ظل فرص كبيرة لتغيير على قمة هرم الحكم السعودي.
مؤسس المملكة عبد العزيز، أحجم عن الاستمرار في الحرب مع الإمام سنة 1934، رغم الانتصارات في البداية، وانسحاب قوات الإمام من المناطق الساحلية، وإخلائها أمام الجيش السعودي، المعزز وقتها بأفضل الأسلحة البريطانية.
وعوضًا عن استمراره في المعارك، أدرك "عبد العزيز" بذكاء فخ الإمام يحيى حميد الدين لاستدراجه نحو قلب اليمن ومرتفعاته، ففضل توقيع معاهدة صلح مع المملكة المتوكلية اليمنية، ما تعرف بمعاهدة الطائف.
وتلا ذلك عهد طويل من التدخلات، عن طريق شراء الذمم وبعض ذوي النفوذ، لتنجح السعودية في جريمتها الكبرى باغتيال الرئيس اليمني الشمالي علي الحمدي، الذي كان يريد توحيد اليمن وقتها، وإبعاد مشايخ القبائل عن التدخل في شؤون الدولة، وخلق دولة حديثة مدنية.
باختصار فإن اليمن أمامها ما هو أخطر من المعارك، وأكثر فتكًا من النيران والقصف المعادي، أمام اليمنيون تحدي صناعة النموذج أمام شعوب الخليج العربي الأخرى، الدولة الجمهورية الوحيدة، والحضارة الأقدم، والموقع الذي تتزايد أهميته على طرق التجارة العالمية الجديدة.

(راصد اليمن  | خاص)

آخر الأخبار