دعوات أوروبية لوقف «حرب اليمن»...هل هو اكتفاء من الصفقات؟

خرجت الدول الأوروبية خلال الأيام الماضية، مطالبةً بـ«إنهاء الحرب في اليمن»، في تماهٍ مع المواقف الأمريكية. ولعلّ أبرز المواقف الأوروبية في هذا الشأن، كانت الفرنسية منها، بعد إعلان وزيرة الجيوش، فلورانس بارلي، الثلاثاء الماضي، أنه «حان الوقت لتتوقف الحرب في اليمن»، مستنكرة «الأزمة الانسانية في هذا البلد».
تخفي الوزيرة الفرنسية في عبارة «حان الوقت»، توجهاً جديداً لبلادها، وبغض النظر عن أن وقت «الحرب في اليمن»، ما كان يجب أن يبدأ من الأساس، تبقى التساؤلات المطروحة، هل فعلاً سبب الدعوات الأوروبية هو الأزمة الإنسانية في اليمن التي بدأت مباشرة مع بدء الحرب؟ أم أن الدول الأوروبية اكتفت من صفقات الأسلحة الى السعودية كي تصعّد من لهجتها الداعية الى وقف الحرب؟
التساؤلات في هذا المضمار مشروعة، إستناداً الى الصفقات التي عقدتها معظم دول الإتحاد الأوروبي، مع المملكة العربية السعودية، خلال فترة الحرب.
لم يمنع توقيع فرنسا عام 2014، على معاهدة منع تصدير الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في انتهاك حقوق الإنسان، من استمرار عملية تدفق الأسلحة الفرنسية الى الرياض خلال السنوات الماضية. وبحسب دراسة أعدها «المعهد الجامعي الأوروبي للدراسات والأبحاث»، فإن المملكة عقدت مع دول الاتحاد الأوروبي، صفقات أسلحة بقيمة 22 مليار يورو، في العام الأول للحرب في اليمن (2015).
ويظهر المعهد أن سوق السلاح الفرنسي كان أبرز المستفيدين، ففي العام 2015 أبرمت باريس، والتي تعتبر ثالث أكبر مُصدرٍ للأسلحة في العالم، صفقات بقيمة 12 مليار دولار مع الرياض؛ وفي العام 2016، غيّرت فرنسا مسار صفقة عسكرية بقيمة 3 مليار دولار كانت متوجهة الى الجيش اللبناني كـ«هبة سعودية»، و«الزبون الجديد سيكون الجيش السعودي»، وفق ما أعلنه وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، من باريس. وفي العام 2017، بلغ إجمالي صفقات السلاح الفرنسية مع الرياض 1.7 مليار دولار، هذا على الرغم من الضغوط التي مورست على الرئيس الفرنسي، إيمانيول ماكرون، والتي وصلت إلى حد تقديم طلب رسمي بفتح تحقيق برلماني بشأن مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية «للتحالف».
دافعت الحكومة الفرنسية مراراً عن إجراءاتها الخاصة بصادرات الأسلحة للسعودية، معتبرةً أنها تمتلك «نظاماً متيناً وشفافاً لمراقبة تصدير المعدات الحربية»، فيما تؤكد منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن «مواصلة باريس عقد صفقات أسلحة مع الرياض سيجعلها شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي»، بحسب ما أعلنته مديرة الفرع الفرنسي للمنظمة، بينيديكت جينرود.
أما بريطانيا، فقد دعت مؤخراً مجلس الأمن الدولي إلى «التحرك للتوصل إلى حل سياسي للحرب في اليمن»، مشيرة عبر وزير خارجيتها، جيرمي هانت، الى أنها اتفقت مع المبعوث الأممي، مارتن جريفيث، على أن «الوقت قد حان، لكي يقوم مجلس الأمن بما يلزم لتعزيز عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة». لكن، وبالعودة الى السنوات السابقة، يظهر أن صفقات الأسلحة البريطانية-السعودية قد ارتفعت وتيرتها أيضاً مع بداية الحرب في اليمن؛ وقد وافقت لندن على مبيعات عسكرية للرياض بقيمة 3.3 مليار جنيه إسترليني بين عامي  2015-2016، شملت القنابل «بايفواي 4» الحديثة.
كما تضاعفت قيمة مبيعات الطائرات المقاتلة بنحو 70%، لتصل إلى 2.6 مليار جنيه في الفترة ذاتها، هذا وقد فاق حجم الصفقات العسكرية التي أبرمتها بريطانيا مع السعودية خلال فترة 2015 - 2017 أكثر من 13 مليار جنيه استرليني، شملت أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية. وخلال زيارة ولي العهد السعودي الى بريطانيا في آذار الماضي، وقعت الأخيرة «بروتوكول اتفاق» مع السعودية لبيعها 48 مقاتلة من طراز «يوروفايتر تايفون»، بقيمة 3 مليار يورو، بحسب ما أعلنته «مجموعة الصناعات الجوية والدفاعية البريطانية».
وفقاً لتقرير أعدته صحيفة «إندبندنت»، فإن «قيمة الأسلحة البريطانية التي تم بيعها للسعودية تضاعفت منذ بداية الحرب في اليمن إلى نحو 500%». وكانت المحكمة العليا في لندن، قد حكمت بـ«قانونية صفقة عقدتها الحكومة البريطانية لبيع أسلحة للمملكة العربية السعودية، لأن الأدلة المتوفرة لا تثبت، وفق المحكمة، «وجود مخاطر واضحة لاستخدام هذه المعدات في تنفيذ انتهاكات جدية للقانون الإنساني الدولي، لترفض بذلك دعوى تقدمت بها «الحملة ضد تجارة الأسلحة»، أكدت فيها «رصد قنابل مصنوعة في بريطانيا في أماكن عمليات القصف المتهمة بخرق القانون الدول، من بينها مستودعات أغذية حيوية تم استهدافها».
في ألمانيا، أبرم «التحالف المسيحي»، الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، و«الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، خلال مفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم في آذار الماضي، اتفاقاً مشتركاً يقضي بوقف تصدير الأسلحة لكافة الدول المشاركة في الحرب اليمنية، إلا أن هذا الاتفاق لم يعمّر كثيراً، بعدما وافقت الحكومة الألمانية في أيلول الماضي، على تراخيص تصدير أسلحة لـ 3 دول عربية مشاركة في «التحالف»، هي السعودية والإمارات والأردن، من دون ذكر تفاصيل حول قيمة تلك الصفقات.
وفي إسبانيا، تقدر مبيعات السلاح للمملكة بين عامي 2015 و2017، بـ 1.2 مليار يورو، فمدريد تعتبر رابع مزوّد للأسلحة والذخائر للمملكة، وهي زودت الرياض مؤخراً، بـ 400 قنبلة دقيقة تعمل بالليزر، على الرغم من قرار سابق، بتعليق الصفقة الى حين مراجعتها.
طالبت معظم الدول الأوروبية بـ«إنهاء الحرب في اليمن»، وبعيداً عن جدية تلك الدعوات، فإن كلام الصفقات يبدو مختلفاً، في النوايا والأسباب الموجبة لها. الحرب التي شارفت على دخول عامها الرابع، وفي قراءةٍ لأسباب استمرارها برغم افتقار الأطراف المتواجهة لعوامل الحسم، تبرز صفقات الأسلحة كأحد أهم العوامل لذلك. ليس من الصدفة إذاً أن تشارك أكثر من 10 دول أوروبية، في تلك الصفقات، وبعد استنزافها بأكملها لصالح دعم اقتصادها، تعلن «ضرورة انتهاء الحرب»، تحت شعاراتٍ «إنسانية» مزعومة، بعد أن كانت تلك الدول سبباً في تأزم الوضع الإنساني من خلال صفقاتها، وفق ما تؤكده المنظمات الحقوقية على اختلافها.

(العربي)

آخر الأخبار