مقتل خاشقجي ومبيعات الأسلحة البريطانية

لم تثر أربع سنوات من الحرب السعودية على اليمن الجدل حول مبيعات الأسلحة الأميركية والبريطانية للمملكة، كما فعلت جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. مطلع الأسبوع الجاري، ناقش البرلمان البريطاني مبيعات البلاد من الأسلحة للسعودية، في حين أدلى الملحق العسكري السابق إلى الرياض والعضو في المؤسسة العسكرية البريطانية، جون ديفيرل، بتصريح مفاجئ إلى إذاعة Radio 4 Today، هاجم فيه صفقات التسليح البريطانية ـــ السعودية. وقال، بوضوح تام وبكل بساطة: «إننا متواطئون بشكل كبير في الحرب على اليمن»، وهو استنتاج بذلت الحكومة البريطانية قصارى جهدها لتتجنبه على مدى السنوات الأربع الماضية.

وفي حين هاجم الملحق العسكري السابق بشدّة الحديث عن وقف الصفقات البريطانية مع المملكة، معتبراً أنه في حال حدوث ذلك ستملأ دول مثل روسيا والصين الفجوة، إلا أنه دعا إلى استراتيجية أكثر فعالية في هذا الخصوص.
وفق ديفيريل، على جميع الدول المصدرة للسلاح إلى السعودية أن تأخذ قراراً جماعياً، وليس أحادياً، بتجميد عمليات التصدير إلى حين وقف العمليات القتالية في اليمن. «عند نفاد الأسلحة من المخازن السعودية، يكون الأمر قد انتهى»، يؤكّد ديفيريل، طارحاً المعادلة الآتية: تجميد جميع صادرات السلاح إلى المملكة، بالإضافة إلى الضغط على السعوديين لإجبار الحكومة اليمنية على التفاوض مع الحوثيين، قد يؤدي إلى إنهاء الحرب.
خلال المقابلة مع ديفيريل، حاول المذيع المخضرم جون همفريز أن يلعب دور الحكومة، مشيراً إلى تخوّف السلطات من أن يؤثر تجميد صفقات التسليح على الوظائف البريطانية. إلا أن العميد رفض الانجرار وراء الأيديولوجية المنتشرة في الخطاب السياسي البريطاني، مدركاً رغم ذلك محاولات «الضغط الشديدة» التي ستمارسها لوبيات صناعة وتجارة الأسلحة في هذا الخصوص.
نجحت، أخيراً، شخصية من داخل المؤسسة العسكرية البريطانية في رسم خارطة طريق منطقية لكيفية الضغط على السعودية. قد تشكّل هذه اللحظة نقطة تحول في الجدل الدائر حول مبيعات الأسلحة إلى السعودية، إذ إنها تستبق الحجج التي ستلجأ إليها الحكومة، وأبرزها «إذا لم نبع، دول أخرى ستبيع»، وبالتالي ستفتح الباب أمام نقاش أوسع يتخطى هذه التبريرات البالية.
ولكن، في حين أن تصريحات ديفيريل منطقية، إلا أنها، أولاً، ليست بجديدة، بل سبق أن عبّر عنها عدد كبير من المنظمات غير الحكومية والناشطين والصحافيين والأكاديميين، الذين رفعوا الستار عن الفساد المستشري في عالم صناعة الأسلحة. في الماضي، أوصلنا التحليل التفصيلي للتبريرات الاقتصادية التي تستخدمها السلطات في دفاعها عن صفقات التسليح، إلى استنتاج واضح وصريح: تمسّك الحكومة الشرس بصناعة الأسلحة غير متناسق مع حجم المكاسب الاقتصادية الناتجة عن هذا القطاع. ومع ذلك، لم يتأثر الرأي العام البريطاني، على مدى سنوات، بأصوات المنظمات والناشطين والصحافيين، كما فعل عقب تصريح واحد من رجل في المؤسسة العسكرية. تشكّل هذه الحقيقية إدانة واضحة لكيفية خوض النقاش العام وكذلك لمفهوم الديموقراطية في البلاد.
ثانياً، تأتي هذه الدعوات الجديدة عقب مقتل شخص واحد في جريمة مروعة. في الواقع، فإن بريطانيا متهمة بخرق القانون على مدى السنوات الأربع الماضية، من خلال استمرارها في تزويد الأسلحة لدولة (السعودية) تستخدم السلاح البريطاني في حربها على دولة أخرى (اليمن). ويحظّر القانون البريطاني نقل الأسلحة والذخائر في حال وجود خطر واضح من استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. وبالتالي، كان من المفترض وقف صادرات السلاح إلى السعودية منذ بدء الحرب على اليمن، وليس في أعقاب مقتل الصحافي.
ثالثاً، وفي حين أن طريقة قتل خاشقجي هي مروعة بالفعل، فإن القنابل البريطانية والأميركية قد مزقت أجساد الآلاف من المدنيين، لا سيما النساء منهم والأطفال، في اليمن، البلد الذي لا يزال شعبه يعيش تحت وطأة الخوف من الضربات الجوية. المشهد اليوم هو تجسيد واضح لسياسة ازدواجية المعايير التي ينتهجها العالم إزاء قضايا حقوق الإنسان، إذ إن مقتل رجل واحد يساوي مقتل الآلاف.
(عن «ذي إندبندنت» البريطانية)

آخر الأخبار