مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: المعونة تغذي الصراع

أشار «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» إلى أن منظمات الإغاثة «تناضل من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية المذهلة في اليمن، لكنها في المقابل تصارع على نحو متزايد مع الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها تسليم المساعدات إلى عدم تعقيد أو حتى إطالة أمد الأزمة الإنسانية في خضم الحرب الدائرة في البلاد»، مؤكداً أن مقدمي المعونة «ليسوا دائماً في وضع جيد لفهم كيف تؤثر أفعالهم على توسعة الصراعات، لكنهم يدركون أنهم يفعلون ذلك». 
وبيّن المركز أنه في الوقت الذي «يُجاهد عمال الإغاثة لدفع ميزة صنع السلام عبر الإغاثة العاجلة، فإنهم حريصون أيضاً على ضمان أن لا تكون أعمالهم سبباً في زيادة وتيرة الحرب والمعاناة الناتجة عنها»، لافتاً إلى أن أطراف الصراع في اليمن «يستخدمون المساعدات لتعزيز مصالحهم الخاصة، إما غير مبالين أو معادين لمصالح السكان المدنيين».
واعتبر المركز أن النضال «الحالي من أجل السيطرة على اليمن ليس فقط، حالة طوارئ إنسانية معقدة في خضم الحرب، وإنما حالة طوارئ إنسانية معقدة نتيجة للحرب». مشيراً إلى أن خصوم اليمن «يكافحون من أجل السيطرة على البلاد، من خلال استخدام كل الأدوات المتاحة من أجل تعزيز مصالحهم».

جزء من المعادلة 
وأكد المركز أنه «في السياق اليمني، حيث تنخفض واردات الغذاء والوقود، وارتفاع الأسعار، مع قلة الأموال، أصبحت المعونة دائما جزءاً من معادلة الصراع»، موضحاً أن ذلك «يتم بعدة طرق منها، قيام الجهات المحلية التي تتصارع فيما بينها من أجل السيطرة على الموارد، بتوزيعها، ومكافأة مؤيديهم، وإضافة المزيد إلى الخزائن الخاصة لقياداتها». 
وبيّن أن كل منظمة إنسانية «تحتاج إلى مجموعة من الشركاء المحليين»، لكنه تساءل عن «من هم هؤلاء الشركاء؟ وما هي الروابط التي تربطهم بالمقاتلين؟»، مؤكداً أن ذلك «ليس واضحاً دائماً، لكون العاملين في المجال الإنساني لا يستطيعون غالباً توزيع الإمدادات في المناطق التي تسيطر عليها إحدى القوى العديدة في اليمن، من دون الاعتماد بشكل ما على حلفاء أقوياء في تلك المنطقة»... وأوضح أن ذلك «يرجع جزئياً إلى أن القوى المسيطرة على منطقة ما، قد تعيق توزيع تلك الإمدادات إذا لم تضمن استفادة أتباعها منها، فضلاً عن أن بعض القوى المسلحة قد تفرض رسوم عبور أو توزيع، مما يضعها في مكان ما بين الضرائب والرشاوى».
ورأى المركز الأمريكي أن «توزيع المساعدات لا يقتصر على إثراء تلك القوى اقتصادياً فحسب، بل أنه يعزز نفوذها السياسي أيضاً من خلال وضع حلفائها في السيطرة على الموارد، حيث أن توفير إمدادات الإغاثة من الخارج يساعد المقاتلين بطريقة أو بأخرى، نحو مزيد من القتال محلياً»، موضحاً أن «من بين الطرق التي تجعل المعونة الخارجية جزءاً من معادلة الصراع، أنها تعطي المانحين الخارجيين، إمكانية استخدامها لتحقيق أهداف سياسية أكثر مع السكان، كما يحدث على سبيل المثال، عندما توجه دول التحالف مساعداتها إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وتحرم المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منها، فضلاً عن أنها تحاصر تلك المناطق وتحتجز السكان المدنيين كرهائن فيها، بدلاً من تلبية المناطق ذات الحاجة الإنسانية الكبرى».
غارات بنتائج عكسية
وأعتبر المركز «استهداف التحالف للموارد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بهدف إغراء اليمنيين لطرد الحوثيين منها، قد يأتي بنتائج عكسية في المجمل، حيث من الممكن أن تزيد تلك من تمكين الحوثيين في تلك المناطق، في حال باتوا المصدر الوحيد للحصول على الطعام والوقود والماء هناك».
وذهب المركز إلى القول: «تقدم اليمن سلسلة من المشاكل غير المحبذة، لكن واحدة من أصعبها، هي اختيار أفضل طريقة لتوزيع المساعدات، خاصة عندما تتداخل الأزمات الإنسانية والسياسية، ولا توجد طريقة للفصل بين الاثنتين»، مضيفاً «يلتزم العاملون في المجال الإنساني بتوفير الإغاثة من العلم بوجود معاناة، ومع ذلك فهم يدركون بشكل متزايد أن هناك ظروف قد تؤدي في الواقع إلى إطالة أمد النزاع وزيادة المعاناة بشكل عام».
وشدد في ذات الوقت على أنه «لا ينبغي أن يرى العاملون في المجال الإنساني أنفسهم عاملين لأولئك الذين يعملون على حل المشاكل السياسية، لكنهم يجب أن يكونوا واعين لآثار أفعالهم على الصراع المحيط وأن يكونوا مستشعرين لذلك».
حواجز متجذرة
وأكد المركز الأمريكي أن العاملين في المجال الإنساني في اليمن «يواجهون عدداً من العقبات، حيث الكثير منها متجذر في اليمن نفسه، كالبنية التحتية الضعيفة، والقدرة المحلية غير المتساوية، والفساد المستشري»، معتبراً أن جميعها «ساهمت في فقر اليمن قبل اندلاع الحرب، التي جعلت تلك العقبات أكبر وأكثر تعقيداً».
وأوضح أنه وعلى نحو متزايد «يناقش العاملون في المجال الإنساني في اليمن أهمية أن تراعي التدخلات ظروف النزاع»، مشيراً إلى أن ذلك قد «نشأ من أشخاص يعملون على منع نشوب الصراعات، وبناء السلام، مع ضمان عدم تأثير دخول المساعدات الإنسانية بشكل سلبي على العمل الذي قاموا به في مناطق النزاع». 
وأشار إلى أنه «في اليمن وأماكن أخرى، هناك عدد من القيود على تنفيذ تدخلات مراعية لظروف النزاع، في مقدمتها الحاجة الملحة، حيث أن أخذ الوقت والموارد لتحليل التأثيرات المحتملة لإنقاذ الأرواح أمر لا يمكن تحمله، أو غير واقعي، وبالإضافة إلى ذلك فإن حتمية سلامة العمال في البيئات الخطرة تضع والضرورة الفورية لإسكان العاملين في المجال الإنساني مع المقاتلين... وثانياً، عدم المقدرة، حيث لا تستطيع منظمات الإغاثة تحليل مفصل للنزاع، بسبب إلى الأموال والوقت لجلب من لديهم الخبرة المطلوبة، كما أنه في بعض الحالات، قد يكون هؤلاء الأشخاص غير موجودين أو غير متاحين».
أهداف سياسية
كما أشار المركز إلى أن من بين العقبات التي تعيق تنفيذ تدخلات مراعية لظروف النزاع في اليمن، هي «مساءلة الجهات المانحة، حيث يصر المانحون بشكل مفهوم على المتطلبات الصارمة لإعداد التقارير والرصد التي تكون منطقية في مدن العاصمة، ولكنها قد تكون غير عملية أو حتى تأتي بنتائج عكسية في خضم مناطق النزاع، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للمواقف السياسية للمانحين أن تفرض حدوداً غير مقصودة، أو مقصودة في بعض الأحيان على تقديم المساعدة الإنسانية».
ونوه إلى أن «معظم الحكومات والمنظمات الإنسانية تشدد على ضرورة تدفق المساعدات دون عوائق إلى اليمن، بغض النظر عن المفاوضات حول مستقبل اليمن»، محذراً من أن «تصميم عمليات الإغاثة بهدف إضعاف الحوثيين من قبل الحكومات الإقليمية، أو حتى لغرض عدم تقويتهم، سيكون عواقب فورية على السكان المدنيين».
التجار الجدد
وفي السياق، كشف المركز عن أن هناك «عقبة أخرى ظهرت في اليمن، حيث أنتجت الحرب مجموعة من المستفيدين غير مبالين بالنتائج السياسية»، مبيناً أنهم «سوف يتكيفون مع أي ظرف في السعي وراء المال، ويكمّن اهتمامهم في إطالة أمد الصراع، وبالتالي سيشكلون عقبة دائمة أمام جهود حل النزاعات ومجتمعات المساعدات الإنسانية على حد سواء»... وشدد على ضرورة «إشراك البعض منهم في أي عملية لحل الأزمة اليمنية، ووجوب وإضعاف البعض الآخر».
وختم دراسته موضحاً أنه «في الحالة الأكثر تفاؤلاً، ستعزز تجربة العمل الإغاثي مجموعات المجتمع المدني في اليمن لفهم أفضل طريقة لتقديم المعونة إلى السكان الذين يعانون، مما يمهد الطريق لبيئة أقوى في مرحلة ما بعد الصراع»، محذراً من أن «جهود المقاتلين لضم أنفسهم إلى أعمال الإغاثة لكسب الأموال المتدفقة منها بهد استخدام بعضا منها لتعزيز مصالحهم الضيقة وإطالة أمد الصراع، تهدد بتعميق خطوط الصدع في المجتمع اليمني».

 

آخر الأخبار