الإمارات تنفض يدها من قضية السجون: ماذا عن المعتقلات السرية؟

يكاد التقرير الأخير الصادر عن «منظمة العفو الدولية» في شأن السجون السرية في جنوب اليمن، ومعه التعليق الإماراتي عليه، يتعاضدان على تأكيد المؤكد: الدولة الثانية في تحالف العدوان على اليمن أنشأت منظومة سجن سرية ووحشية بتواطؤ ومشاركة أميركيَين، وتريد اليوم التملص منها بإلصاقها بالقوى المحلية المقاتِلة في صف «التحالف». إرادة لا تفتأ تتأكد مع استمرار عمليات الإفراج عن معتقلين في السجون المعلَنة والمعروفة، ونقل آخرين من سجون مخفية إلى أخرى مركزية، من دون أن يؤدي ذلك إلى تبديد المخاوف من وجود معتقلات لم تطلها بعد أعين المنظمات الحقوقية والدولية، أو تبريد قلوب من لا يزالون ينتظرون معرفة مصير أبنائهم المخفيّين قسراً.

يوم أمس، أفيد عن نقل ما لا يقلّ عن 16 معتقلاً من سجون سرية - لم يُحدّد مكانها في تصريحات المصادر المحلية التي أوردت النبأ - إلى سجن بئر أحمد، الذي بات وفق ما هو معلن خاضعاً لسلطة وزارة الداخلية التابعة لحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. وجاءت هذه الخطوة بعد ساعات من إطلاق سراح 4 معتقلين من السجن المذكور، تنفيذاً لأوامر صادرة عن النيابة الجزائية التابعة لحكومة هادي. وكان أُفرج، خلال الأيام الماضية، عن العشرات من المعتقلين على أربع دفعات، توازياً مع حراك إماراتي متصل بملف السجون، بلغ ذروته مطلع الأسبوع مع زيارة وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، ريم الهاشمي، إلى عدن. وأكدت مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في «أمنستي»، تيرانا حسن، أمس، وقوع عمليات الإفراج تلك، قائلة إنه «جرى الإفراج عن عشرات المحتجزين في الأسابيع الماضية، وبينهم مجموعة صغيرة ممن كانوا مختفين قسراً».
خطوات يبدو واضحاً أنها تستهدف نفض يد الإمارات من هذه الجريمة المرتكبة في عدن وغيرها من المدن الجنوبية، والتي وصفتها «أمنستي» بأنها «انتهاكات صارخة تُرتكب بلا حسيب أو رقيب». ما يؤكد ذلك أن أبو ظبي، وفي تعليقها على تقرير المنظمة، تعلّلت بأن «السجون تخضع للسلطات اليمنية، وإدارتها من اختصاص مؤسسات الدولة اليمنية»، بل ووصل الأمر بها حد تصنيف نفسها حارِساً لحقوق الإنسان بقولها، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية، إنها «دعت الحكومة اليمنية إلى إجراء تحقيق مستقل في الأمر»، وإنها «ستواصل العمل عن قرب مع الحكومة اليمنية في هذا الشأن». هذا التصريح، الذي أرادت من خلاله السلطات الإماراتية التحايل على الحقيقة، يثبت صحة الحديث عن أن سماحها لحكومة هادي بالسيطرة على السجون، بعدما «دأبت على تجاهل أوامر الإفراج الصادرة عن النيابة اليمنية، أو تأخير تنفيذها كثيراً في مناسبات عدة» بحسب تأكيد «أمنستي»، إنما هو من أجل تخليص نفسها من لوثة ما سمتّه «العفو الدولية» «إنشاء هيكل أمني موازٍ خارج إطار القانون» (إلى جانب هدف آخر متمثل في حفظ التهدئة مع «الشرعية»).

جرى نقل عدد من المعتقلين في السجون السرية إلى سجن بئر أحمد


مقايضة اعترف بها وزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، في تصريحات نشرها الموقع الرسمي لوزارته قبل 3 أيام، حيث قال إن خطوات الإفراج عن السجناء جاءت بعد «تفاهمات كبيرة مع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة»، مشيراً إلى أن جميع السجون المركزية في «المحافظات المحررة» باتت حالياً تحت السلطة المباشرة للنائب العام ومن يمثله، وتحت إدارة مصلحة السجون التابعة لوزارته، مُتوعّداً باتخاذ إجراءات ضد القائمين على السجون السرية. على أن ذلك التوعد، المرفق بإعلان سيطرة على السجون المركزية حصراً (من دون غيرها)، لا يبدو قابلاً للصرف في ظل ما يظهر أنها سيطرة إماراتية متواصلة على السجون المخفية التي يقول ناشطون من جنوب اليمن معارضون لأبو ظبي إن الكثير منها لا يزال غير معروف.
ومن هنا، وعلى رغم دعوة حكومة هادي أي عائلة لديها مفقود إلى تسجيل اسمه في مكتب إدارة أمن عدن وتعهدها بـ«البحث عنه»، يظل القلق مسيطراً على أهالي المخفيين قسراً، والذين مضى على اعتقال بعضهم أكثر من سنتين، من دون أن يعرف ذووهم أي معلومة عن مصيرهم. وما يعزّز تلك المخاوف أن إدارة السجون السرية ليست مقصورة على الإماراتيين، إنما يشارك فيها أيضاً الأميركيون الذين أنشأت لمصلحتهم أبو ظبي شبكة جاسوسية ضخمة، وهيّأت لهم كل أسباب ممارسة مهنتهم المفضّلة في التعذيب وانتزاع المعلومات. ذلك ما ألمحت إليه «أمنستي» من خلال دعوتها إلى «التحقيق في مشاركة عناصر أميركية في الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في اليمن»، ومطالبتها واشنطن بـ«رفض استخدام المعلومات التي يُحتمل أن تكون انتُزعت تحت وطأة التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة».
معاملة شكلت محوراً لندوة عُقدت، أمس، في العاصمة صنعاء، ضمن النشاط المواكب لاحتجاجات أبناء المحافظات الجنوبية على ممارسات «التحالف». وطالب المشاركون في الندوة المنظمات الدولية والأمم المتحدة بالتحقيق في الممارسات المرتكبة بحق ما لا يقلّ عن ألفي محتجز في السجون المعروفة، و«أكثر من ذلك بكثير في السجون السرية».

آخر الأخبار