«واشنطن بوست»: أين أصبحت الحرب ضد التنظيمات المتطرفة في اليمن؟

حاولت صحيفة «واشنطن بوست» استعراض مآلات الحرب على تنظيم «القاعدة» في اليمن، مشيرة إلى أن العام الماضي شهد تصاعد حدة «حرب الظل» بين التنظيم المتشدد، من جهة، والمقاتلين المحليين اليمنيين، المدعومين من الولايات المتحدة، من جهة أخرى.
وشددت الصحيفة الأمريكية على أن الحرب ضد «القاعدة»، بقيت «بعيداً عن أنظار (الصحافة)»، و«خارج اهتمامات العناوين الرئيسية» في وسائل الإعلام، حيث «انصب أغلب الاهتمام حول الحرب الأهلية» الدائرة بين «المتمردين الشماليين»، و«قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً»، بحسب تعبير الصحيفة.
وذكرت «واشنطن بوست» أن الولايات المتحدة، وخلال العام الأول من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شنت غارات جوية ضد مقاتلي «القاعدة» في اليمن بمعدل «أعلى بكثير» مما كان عليه الحال في السنوات السابقة، شارحة أن وتيرة الغارات الجوية الأمريكية المسجلة هناك «تباطأت بشكل ملحوظ» خلال العام الحالي، على الرغم من بقاء تلك الوتيرة فوق معدل الغارات المسجلة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. 
وأوضحت الصحيفة أن دور القوات الأمريكية المنتشرة على أرض اليمن يشمل «تقديم المشورة العسكرية للمقاتلين المحليين ضد القاعدة»، وكذلك «استدعاء الغارات الجوية الأمريكية (لتقديم الدعم)»، مشيرة إلى أن دور سلاح الجو الأمريكي في اليمن «شهد نمواً على وقع تصاعد حدة الحملة الجوية» ضد التنظيم المتطرف.
ووفقاً لإحصائيات وزارة الدفاع الأمريكية، فقد شن الجيش الأمريكي خلال العام الماضي، 131 غارة جوية، أي بنسبة زيادة تتجاوز ستة أضعاف الأرقام المسجلة في العام 2016، وقد جاءت بمعظمها ضد «تنظيم القاعدة»، فيما طالت 31 غارة جوية فقط منها تنظيم «داعش»، في حين شهد العام الحالي، تنفيذ ما لا يقل عن 30 غارة جوية، تركز العدد الأكبر منها ضد مقاتلي «القاعدة»، فيما طالت غارة جوية واحدة فقط مقاتلي «داعش».
هذا، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية قولهم إن جهود محاربة تنظيم «القاعدة»، «تحقق نجاحات في دحر نفوذه في اليمن»، لافتة في الوقت عينه، إلى إقرار الفصائل اليمنية، المدعومة من واشنطن، وعلى الرغم من نجاحها طرد مقاتلي التنظيم المتطرف من بعض معاقله، بأن «مكاسبها الأخيرة في وجه القاعدة، تبقى آنية، وهشة».
وبحسب ما أفاد مقاتلون محليون ضد «القاعدة» في محافظتي شبوة، وأبين، للصحيفة، فإن التنظيم المتشدد تمكن من التأقلم مع ظروف الحملة العسكرية ضده، وتجاوزها حيث «لا يزال خصماً شرساً»، ولا سيما أن مقاتليه «عمدوا خلال الأشهر الأخيرة إلى تكثيف حملتهم» ضد قوات حكومة هادي من خلال تنفيذ سلسلة من «هجمات الكر والفر»، إلى جانب «تنفيذ انسحابات استراتيجية» في عدد من المناطق، علاوة على شن «موجة من التفجيرات والاغتيالات» ضد عدد من المسؤولين في الحكومة والقوات الأمنية.
كذلك نقلت الصحيفة عن شهود عيان قولهم، إن «الاشتباكات العنيفة التي شهدتها جبال خبر الشرقية في محافظة أبين، في شهر مايو الفائت، وطيلة يومين متتاليين، استنفرت حوالي 500 عنصر من المقاتلين المحليين، في وجه 30 مقاتلاً متشدداً»، قبل أن تسفر المواجهات عن سقوط خمسة قتلى، و19 جريحاً في صفوف المقاتلين المحليين، في مقابل مقتل أربعة متطرفين، بعدما هرب الآخرون مخلفين وراءهم اثنين من زملائهم القناصة ممن أوكلوا تنفيذ مهمة انتحارية بغية صد الهجوم عليهم.
وعن تكتيكات الانسحاب المتبعة من قبل عناصر التنظيم، وهي تكتيكات اعتمدوها في معارك المكلا، وعزان، والحوطة، أوضح محمد سالم البهر، وهو قائد قوات «النخبة الشبوانية» التي تسيطر على منطقتي عزان، والحوطة، «أنهم يحاولون منعك من التقدم من أجل شراء الوقت لإتاحة المجال للهرب أمام مقاتليهم».
وأردف البهر، الذي كان على وشك أن يقتل في معارك عزان، إثر تعرضه لطلقتين في الورك، أن تعداد مقاتلي «النخبة الشبوانية» التي فقدت العشرات من عناصرها في تلك المعارك، يزيد عن ثلاثة آلاف مقاتل.
وعن دور القوات الإماراتية والأمريكية في جهود مكافحة «القاعدة» في اليمن، شدد البهر على تواجد عناصر إماراتية تقاتل مع قواته جنباً إلى حنب، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من العسكريين الأمريكيين لا يقل عديدها عن خمسة أفراد، تتواجد بشكل دائم في إحدى المدرعات في الصفوف الخلفية لقواته، ينحصر دورها في استدعاء الطيران الأمريكي. 
وفي سياق متصل، لفتت الصحيفة إلى أنه، ورغم نجاح القوات المحلية، المدعومة أمريكياً، في إحكام سيطرتها على العديد من معاقل «تنظيم القاعدة»، فإن «وحدات كبيرة من مقاتلي القاعدة لا تزال تسيطر على أربع محافظات نائية، حيث تستخدم الجبال والكهوف كمخابىء، أو معسكرات تدريبية، إلى جانب توفيرها خلايا نائمة للعمل داخل المناطق المحررة»، فضلاً عن أن «استخدام مقاتلي التنظيم للألغام والمتفجرات شديدة التعقيد، أسهم في إبطاء جهود ملاحقة» تلك العناصر، حيث تم ضبط 80 قنبلة، وعبوة متفجرات خلال دهم أحد البيوت في منطقة الحوطة، بعد طرد التنظيم منها. 
وبالعودة إلى حديث البهر، فإن «المفخخات التي يزرعونها لنا، والكمائن التي ينصبونها لنا تعد إحدى أصعب العقبات التي نواجهها»، كونهم «يستخدمون المتفجرات بطرق خطيرة ومبتكرة».
وتابعت الصحيفة، نقلاً عن محللين أمنيين، أن «تنظيم القاعدة»، الذي استفاد من تبعات أحداث «الربيع العربي» في العام 2011، وتمكن من استغلال الفراغ الأمني الذي خلفته حرب اليمن، التي بدأت في العام 2015، من أجل الاستحواذ على الأراضي، إلى جانب الأسلحة، والأموال، «فقد حوالي نصف الأراضي التي كان يسيطر عليها في ذروة صعوده في أواخر العام 2015»، إلا أن «مقاتليه لا يزالون ينشطون في أجزاء من سبع محافظات يمنية على الأقل، بما في ذلك شبوة، وأبين، والبيضاء، وحضرموت»، إلى جانب كونهم «يعمدون، في بعض الأحيان، إلى تنفيذ عمليات في مناطق أخرى في جنوب البلاد»، مضيفة أن «الطريق المتعرجة، الواصلة بين شرق أبين، وشبوة تعج بعبارات التمجيد بتنظيم القاعدة»، وزعيمه الراحل «أسامة بن لادن، أسوة بشعارات شبيهة عند المدخل الشرقي لمدينة عزان، التي كانت تخضع للتنظيم، قبل أن تدخلها فصائل مسلحة يمنية، مدعومة أمريكياً، بعد اشتباكات دامت ثلاثة أيام، حيث لم تواجه تلك القوات سوى مقاومة ضعيفة من قبل العناصر المتشددة». 
وفي هذا السياق، أفاد رامي علي، وهو أحد المقاتلين المحليين في الحرب ضد التنظيم المتشدد، بأن مقاتلي التنظيم «باتوا اليوم، أكثر خطورة»، ذلك أنهم «لا يتمركزون في مكان واحد، أو منطقة محددة، لذا يصعب العثور عليهم، كما أنهم يحاولون إيجاد أي فرصة سانحة من أجل تنفيذ هجماتهم».
وبحسب الصحيفة، فإن تنظيم «داعش» بدوره، تمكن على مر السنوات الأربع الماضية، من إيجاد «فصيله (المسلح) الخاص به»، و«المتواضع» قياساً بأعداد المنتسبين إلى «القاعدة»، حيث «يقدر عديد مسلحيه بالمئات، معظمهم من المنشقين عن تنظيم القاعدة».
ومع الإشارة إلى مزاعم واشنطن حول نجاح الحملة العسكرية ضد «تنظيم القاعدة» في اليمن، في «إضعاف فاعلية جهاز الدعاية التابع للقاعدة»، وفي تعزيز قدراتها على «استهداف التنظيم»، و«جمع المعلومات الاستخبارية» عنه، شددت الصحيفة على أن هدف واشنطن الحالي ينصب على «منع تنظيم داعش من ملء الفراغ»، رغم تكتمها عن إعطاء تفاصيل حول الجنود الأمريكيين في اليمن، بداعي «الأمن العملياتي»، و«سلامة عناصر قواتها» العاملة هناك. 
وبحسب دراسة صادرة عن «مجلس العلاقات الخارجية» في وقت سابق من هذا العام، فإنه «لا يزال هناك حوالي أربعة آلاف مقاتل لدى تنظيم القاعدة في اليمن».
وعن علاقة «تنظيم القاعدة» بالبنية المجتمعية، لفتت الصحيفة إلى أنه «في المناطق الريفية في اليمن، أصبح السكان، الذين يحملون توجهات محافظة، مصدراً كبيراً لكسب المؤيدين، والمتطوعين في صفوف التنظيم المتشدد، ذلك أن المئات، إن لم يكن الآلاف من مقاتلي القاعدة، ينحدرون من قبائل، وأسر محلية»، مشيرة إلى وجود «شكوك»، لدى عناصر القوات التي تولت محاربة التنظيم، من تعرضهم للخيانة من قبل بعض السكان المحليين.
وفي هذا المجال، أفاد ياسر صالح، وهو أحد عناصر تلك القوات، بقوله إن تنظيم «القاعدة»، «توقع هجومنا عليه، لان هناك أناساً (من السكان المحلين) يزودونهم بالمعلومات الاستخبارية. لذا كانوا مستعدين للأمر». كذلك، أفادت الصحيفة بوجود «عملاء مزدوجين» في صفوف القوات التي تحارب «القاعدة»، وذلك بالاستناد إلى مصدر قيادي رفيع في تلك القوات.
ومع ذلك، سلطت الصحيفة الضوء على مخاوف بعض اليمنيين، من احتمال عودة مقاتلي تنظيم «القاعدة» إلى مناطقهم، في حال استمرار «الفراغ السياسي» فيها. من هذا المنطلق، قال يونس عاجدوم، وهو صاحب متجر في الحوطة، إنه «إذا ما استقرت الحكومة، فإن لن يكون في استطاعتهم أن يعودوا». أما أحمد، وهو أحد جرحى القوات المناهضة للتنظيم المتشدد، فقد أكد على أن «الانتصار العسكري على المسلحين المتطرفين يمكن أن يكون بعيد المنال»، في ظل «الولاءات المتشابكة في جنوب اليمن»، مبيناً أنه «إذا ما عملنا مع بعضنا البعض، يمكن التخلص من القاعدة، إلا أنه، وحتى الآن، لسنا مع بعضنا البعض».

آخر الأخبار