خاص | الحُديدة.. قمة جبل الجليد

أحمد فؤاد - صحافي مصري | عدد من جيوش العالم ترسل قواتها للسيطرة على ميناء يمني، الحُديدة، فتفشل وتتراجع أمام رجال بعزم حقيقي، مؤمنين بأن كل ذرة من تراب الوطن تستحق الفداء، فأفشل "أنصار الله" الإنزال البري الهائل على الميناء الإستراتيجي، وأوقعوا بالعدو خسائر غير مسبوقة، طوال سنوات الحرب على اليمن.
تحالف العدوان مارس الفعل المفضل له في اليمن، الفشل، وهو ما يصلح عنوانًا للتدخل البري، الذي واكبه منذ اللحظة الأولى تغطية إعلامية، كانت تنتظر نصرًا سهلًا على عدو ظنوه مستنزفًا أو يكاد، عدو لا يملك أي دفاع جوي، أمام أحدث طراز من المقاتلات في العالم، فإذا بإرادة الأحرار اليمنيين تصعق في كبرياء كل ما أعده تحالف العار، ويثبتوا من جديد أن الدم أبقى من السيف وأغلب، هذه ليست نهاية الحكاية، وبالتأكيد ليست بدايتها، لنعد إذًا إلى البداية، ما الذي جذب الولايات المتحدة وفرنسا ومصر، بجانب السعودية والإمارات، إلى محاولة السيطرة على الساحل اليمني بالبحر الأحمر.
يدرك كل مطلع على مخططات التجارة العالمية وتوقعاتها المستقبلية، أن البحر الأحمر، وجنوبه خصوصًا، سيكون مسرح العمليات الأهم، خلال سنوات قليلة، فالصعود الصيني المتسارع أضفى أهمية إضافية على سواحل اليمن، والتجارة الصينية-الأوروبية تمر قريبًا من المياه اليمنية، وهنا مكمن الطمع، فمن يسيطر على الشريان الجديد للتجارة يضمن لنفسه موقعًا في المستقبل، بشكل تلقائي.
ومنطقة القرن الإفريقي جيوبوليتكيا تضم مساحة هائلة من الدول، التي تمتد عبر النتوء الشرقي للساحل الشمالي الشرقي لإفريقيا، المطل على خليج عدن والمحيط الهندي والمداخل الجنوبية للبحر الأحمر الممتد ومضيق باب المندب، وصولًا لقناة السويس، وتعدد الدول الإفريقية واختلافاتها العرقية الهائلة، والصراع السياسي الذي يمزقها، يقابله ثبات تاريخي في اليمن، التي تمتد وحدها، لتمسك بالجهة الشرقية المقابلة للدول الإفريقية (الصومال – إريتريا – جيبوتي) والممتدة داخليًا في (إثيوبيا – كينيا – السودان)، أي أن السيطرة على الساحل الغربي لليمن توازي السيطرة على 6 دول مقابلة.
والوجود العسكري الغربي في القرن الإفريقي قديم، ففي جيبوتي، الدولة الصغيرة جغرافيًا، لا تتجاوز مساحتها 23 ألف كيلومتر مربع، فيما لا يزيد عدد سكانها عن 864 ألف شخص، تحتضن قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان، بينما تتواجد تركيا في الصومال، التي شهدت كذلك وجودًا إماراتيًا، كما ينشط الكيان الصهيوني في إريتريا خصوصًا، وتحتفظ تركيا بعلاقات عسكرية وتعاون اقتصادي مع السودان، أي أن المنطقة الإفريقية تم الهيمنة عليها بالكامل، فيما تحتفظ اليمن باستقلالية كاملة في وجه كل هذه الدول.
الإمارات التي وضعت رهانها منذ سنوات على كونها مركزًا للتجارة العالمية، عن طريق جبل علي ودبي، تريد أن تضمن مكانًا أفضل في اليمن، ومخططات محمد بن زايد تشمل أيضًا إفريقيا، التي يخوض فيها وعليها صراعًا مفتوحًا مع تركيا، وهدفه يتمثل في الوجود على ضفتي باب المندب، وربط مناطقه التجارية مع المناطق التي يزمع السيطرة عليها.
محمد بن سلمان صاحب أهداف متعددة، فهو لا يريد يمن موحد أو قوي، شأن كل ملك سعودي، فاليمن هي القلب الحضاري للجزيرة العربية، كما أنها النظام الجمهوري الوحيد، وعدد سكانها يوازي كل دول الخليج مجتمعة، بالتالي فإن هدف التفكيك والإضعاف موجود سلفًا، إضافة إلى أهداف التحول إلى عصر ما بعد النفط، ولا أفضل من استثمار الموقع اليمني، وإنشاء سلسة مشروعات على ضفاف البحر الأحمر كله، بعد ضمان النطاق الشمالي، مثلًا في سيناء المصرية، التي حصل منها "بن سلمان" على 1000 كيلو متر، لإنشاء مشروع "نيوم".
ورغم الخسائر الهائلة التي تتحملها السعودية، سواء في أفراد جيشها، أو المعدات العسكرية، والصفقات مع مجمع السلاح الغربي، لضمان تحييد الإعلام العالمي، فإنه ليس من المنتظر أن يعلن "بن سلمان" فشله قريبًا، فالاعتراف بالفشل يعني أن الحملة على اليمن، ومنذ البداية، كانت خطأ، وهو ما يفتح الباب أمام الأمراء المستبعدين، لإعادة طرح أنفسهم كبدلاء لولاية العرش السعودي.
فرنسا الوافد الجديد على تحالف العدوان، تريد ضمان موضع قدم، بعد أن أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتريد إنشاء أخرى في اليمن، أو على الأقل، تريد قطعة من كعكة الخليج، التي يستأثر بها حتى اللحظة "ترامب"، سواء في صفقات التسليح الهائلة، أو المشروعات المرصود لها تكاليف استثمارية ضخمة، من الخزانة السعودية.
ومن وراء محور العدوان، تطل الولايات المتحدة برأس الشيطان، تريد استمرار الهيمنة والوجود في عالم الغد، وترغب بشدة في إغلاق الطرق أمام الصين، التي اختارت منطقة القرن الإفريقي كمكان لأول قاعدة عسكرية لها في الخارج، في جيبوتي، لحماية تجارتها، وهو عين ما تريد أميركا وضع يدها عليه، أي الشريان التجاري، وفي ظل هذه الموازين الدقيقة، ستسير معركة اليمن، كحرب عالمية مصغرة، بين شعب يريد  فرض استقلاله، دول تطمع في الموقع العبقري.

 

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار