خاص | اليمن.. مفتاح سر المستقبل

أحمد فؤاد - كاتب مصري | الذين ينظرون إلى الحرب في اليمن، ويتخيلون أنهم يرون مشهدًا من حرب إقليمية، بين جيران، عليهم أن يعيدوا النظر لخريطة العالم، واليمن في قلبه، وإلى تطلعات قوى السيطرة الدولية، والأهداف المعلنة والخفية، ومستقبل حركة التجارة العالمية، وأوزان كبار العالم في النقاط المتماسة مع اليمن جغرافيا.
تمر نحو ١٠٪ من تجارة العالم عبر منطقة البحر الأحمر، مرشحة للارتفاع إلى ٦,٣ تريليون دولار في ٢٠٥٠، وبالتالي فأن التمركز العسكري في المنطقة، من قِبل لاعبين أساسيين موجود، ويسبق اشتعال حرب اليمن بسنوات.
منطقة القرن الإفريقي لها ضفتان، ضفة في إفريقيا، تزدحم بالقواعد العسكرية، للولايات المتحدة والصين وفرنسا، وحتى تركيا والإمارات والكيان الصهيوني والسعودية، والأخيرة في جيبوتي، الدولة الصغيرة التي تزدحم بقواعد عسكرية عديدة.
السباق العالمي العسكري الذي ينشط في منطقة البحر الأحمر، لم يكن ليوت فرصة اليمن، أو يهدرها لتتحول إلى لاعب على الساحة، ففرضت الحرب على أهل اليمن، لسرقة إمكانيات المستقبل منه، بعد أن مكنت المؤامرات السعودية المتتالية لفساد أن يحكم ويتحكم في مصير اليمن لعقود طويلة.
السعودية والإمارات، وهما حاملا لواء التدخل العسكري، لا تبدوان إلا وكلاء للولايات المتحدة، أو في أفضل الظروف، لعبة محلية لامتلاك المزيد من أوراق القوة، برضا واتفاق كامل مع واشنطن، وهنا تأتي نقطة المفارقة في الدور، فالبلدان الصغيران، الممثلان لقلب الخليج الهش، تريدان السيطرة على اليمن، من أجل نفوذ لم يتحقق بالمال، رغم عقود طويلة من التدفق النفطي.
المقاربة تحيلنا فورًا إلى الدور الصهيوني في ضرب مصر وسوريا، إبان النكسة 1967، والتي كانت بنفس الإستراتيجية، وكيل محلي يُستخدم لتوجيه ضربة خارجية، نيابة عن الولايات المتحدة، ولم تكن ظروف المنطقة وقتها تسمح بتدخل أمريكي مباشر، بسبب الاستقطاب على الساحة الدولية، خلال الحرب الباردة، حيث كان الوجود السوفيتي، بالقوة والقدرة، يستطيع لجم الولايات المتحدة، عن تدخل مباشر ضد حلفائه.
بن سلمان، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن الرغبة في التلاقي مع الصهاينة، كما رسمت تلك الرغبة سابقًا مبادرة الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز لتطبيع العلاقات، يريد تكرار نموذج التوسع والنجاح الصهيوني، على أرض عربية أخرى، مكتسبًا الاحترام المحلي والاعتراف الأمريكي والدور الإقليمي، كمفتتح لزعامته على السعودية في عصر جديد.
التدخل السعودي-الإماراتي كان فاشلًا منذ البداية، فأي مقارنة بين اليمن وقلب الخليج الهش، ترجح فورًا الكفة اليمنية، سواء بالوزن السكاني، 30 مليون يمني، والذي يعادل مواطني دول الخليج مجتمعين، أو بالوزن الحضاري، حيث تعد اليمن واحدة من دول الحضارات القديمة، والتي تعطي للمواطن نَفَسًا للدفاع عن أرضه، وكذلك بكون اليمن هي النظام الجمهوري الوحيد، الذي اتخذ شكل الدولة الحديثة، في مواجهة دول قبلية، قائمة على اعتبارات أسرية، لا يسند وجودها سوى التدفقات المالية وإرادة خارجية، كانت السبب في وجودها.
جريمة اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد، وكذا الجرائم المتتالية، التي يتسع المقام عن ذكرها هنا، تثبت أن قوى العدوان تريد زرع اليأس في قلبو أبناء اليمن الأبطال، ومقاومتهم المجيدة، سعيًا لكسر صمودهم الأسطوري، وبالتالي كسب الحرب، ولو على المستوى النفسي.
كل الحروب الوطنية شهدت من التضحيات الأغلى والأعلى، في حملة هتلر الجنونية على الاتحاد السوفيتي، خلال الحرب العالمية الثانية، فقد الروس في الشهور الأولى للمعارك ثلث مساحة أرضهم، ونحو 600 ألف قتيل، وموارد لا حصر لها، وكان التوقف عن المواجهة –المقاومة- ثمنه الوحيد هو الخروج من التاريخ.
قدم الروس تضحيات هائلة، ملايين القتلى والأسرى والجرحى، وتدمير شبه كلي للثلث الغربي من الاتحاد السوفيتي السابق، مقابل ثمن وحيد، هو النصر الكامل، وقد حققوه في نهاية المطاف، وصدق قول مظفر النواب" "وطني علمني أن حروف التاريخ مزورة، حين تكون بدون دماء".
اليمن وحدها في الخليج تنتمي إلى عصر لا يعرفه حكام الخليج، لذا فصمودها ثم انتصارها، هو الاحتمال المنطقي الأوحد، المتسق مع مكونات الصراع، الذي لا تعد الحرب الأخيرة إلا تجلي لصراع أشمل وأقدم.


(خاص - راصد اليمن)

آخر الأخبار