’قمة’ عربية جوفاء قد تكون الأخيرة

ربما لا تستدعي ما يطلق عليها "قمة عربية" تعليقاً، حيث تجاوزتها الأحداث والأهم أن ممارسات معظم أطرافها تجاوزها وتجاوز بياناتها والتي أصبحت مجرد موضوعات انشائية جوفاء لا يترقبها جمهور ولا يبذل في رصدها ومراقبتها عدو أو صديق!

لكن هناك أموراً من الواجب إلقاء الضوء عليها لأنها تشكل مؤشرات واضحة لانهيار العمل العربي بمعناه التقليدي وهي نذر شؤم بأن هذه القمة قد تكون الأخيرة أو على أفضل تقدير، بداية المرحلة النهائية من النظام العربي الحالي بهيكله لا بمضمونه والذي انهار منذ كامب ديفيد.

ثلاثة ملاحظات نود التقاطها من بيان القمة الختامي وهي:

1. في اللغة الموجهة نحو العدو الصهيوني، كانت صياغة بيان القمة العربية هي مطالبة ومناشدة المجتمع الدولي، بينما في اللغة الموجهة لإيران، والتي ورد ذكرها اكثر من ذكر كيان العدو الاسرائيلي في البيان، كانت اللغة هي مطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات على ايران!

2. طالب البيان بمساندة عدة دول عربية، مثل مساندة السعودية في العدوان على اليمن ومساندة الإمارات ضد ايران، ومساندة السودان، في حين لم يتحدث البيان مثلاً عن عدم مساندة مصر في قضية بخطورة سد النهضة والذي يهدد شريان حياتها!

3. استبق البيان التحقيقات الدولية وقام بترديد ادعاءات أميركا بشأن الكيماوى السوري، بل وأدان "النظام السوري" بتهمة استخدام الأسلحة المحرمة ولم يذكر البيان العدوان الثلاثي بحرف واحد وكأنه صيغ في واشنطن أو لندن أو باريس!

هذه الملاحظات وغيرها مما تناول المقاومة بوصف الميليشيات الارهابية، يشي بأن القرار العربي قد اختطف نهائياً من العواصم العربية الكبرى وتم تأميمه خليجياً وتحديداً سعودياً واماراتياً.

ماذا تبقى إذن لجدوى التجمع العربي وهل المسار الخليجي الراهن والذي أعلن تأييد العدوان الثلاثي على سوريا هو من يمثل العرب؟ وهل من يدفعون أموالهم لترامب ليقصف سوريا والمقاومة ولتثبيت أقدام العدو الصهيوني في شرق أوسط جديد مطابق لما أوصى به شيمون بيريز، هم من سيدعمون القضية الفلسطينية ويستردون نصف القدس "القدس الشرقية" وفقاً لأسمى طموحات بياناتهم الجوفاء؟

هذا التنافر بين النظم الخليجية وعواصم كبرى كالجزائر وبغداد والقاهرة والعداء مع عواصم كبرى كدمشق، واختطاف القرار بسبب ضعف القاهرة وعدم ايمانها بقوتها وتاريخها، غير قابل للصمود لأنه يسير نحو الأسقف الممنوع تحطيمها والتي تخطت أسقف الأمن القومي الذي تم اختراقه لتصل إلى أمن النظام نفسه. هذا مشهد عربي توقعناه وتوقعنا أن تمضي النظم في الشوط الأميركي لمنتهاه ونهاياته المحتومة.

وبخصوص المشهد الإقليمي والدولي، فإن ترامب يحقق جميع التوقعات بشكل مذهل، فقد توقعنا أنه ينفذ توصيات هنري كيسنجر دون تفكير وتأمل. هذه التوصيات التي أوردها كيسنجر في كتابه النظام العالمي الصادر في 2014،  والذي قال فيها:
 "إذا أرادت الولايات المتحدة أن تلعب دورا مسؤولا في هذا النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين فعليها أن تكون على استعداد للرد على عدد من الأسئلة". وطرح كيسنجر أسئلة، ومن أهمها سؤالان تبدو أصداؤهما في السياسات الحالية لترامب:

1 - ما الذي نسعى إلى منعه؟ - مهما حدث وإذا لزم الأمر لوحدنا – وما الذي نسعى إلى تحقيقه مهما صادفنا من عقبات وحتى لو لم نلق أي دعم من الأطراف المتعددة؟

2 - ما الذي نسعى إلى تحقيقه أو منعه شريطة أن يكون مدعوما من التحالف الدولي؟

وقد قلنا أن ترامب نفذ الانتصار الوهمي بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني بمفرده لأنه لم يخش رد فعل عربي. بينما وجدناه انتظر لتوجيه هذه الضربة الخائبة لسوريا لتشكيل تحالف ثلاثي مع بريطانيا وفرنسا لأنه يخشى جيدا رد فعل روسيا ومحور المقاومة.

كما يطبق ترامب ما جاء باستراتيجية الأمن القومي الأميركي، والذي انتظر عاماً كاملاً حتى يصدرها على أمل تغير الأوضاع على الأرض عبر وكلائه من المرتزقة في الميدان، وعندما فشل العدوان أصدر استراتيجيته والتي لا تقوم على مبدأ القوة العظمى الاحادية، وانما استراتيجية بمثابة استنساخ أو احياء لاستراتيجية الحرب الباردة وأهم ملامحها سياستان رئيستان، هما سياسة حافة الهاوية وسياسة سباق التسلح.

ووجدناه رغم اعتراض العسكريين وعلى رأسهم وزير حربه، يدفع بالأمور لحافة الهاوية دون نظر في العواقب، ودون اعتبار للفروق بين نجاح كينيدي في التفاوض في قضية أزمة صواريخ كوبا وبين فشل جونسون في فيتنام وهي الحالة الأقرب إليه!

ان ترامب يستنسخ مراحل الفشل الأمريكي في خليج الخنازير ومراحل الفشل الاستعماري في السويس ويظن أنه يمتلك مفاتيح التفاوض وما يجهله أو بالأحرى لا يتصوره ويعقله، هو أن هناك أشياء لا يتم التفاوض عليها ومنها تمسك المقاومة بمواقعها وانتصاراتها.

ووفقا لموقع "ديبكا فايل" الإسرائيلي، فإن موسكو تصرفت بسرعة لتعزيز علاقاتها مع طهران وتعزيز القوات المسلحة السورية كرد فعل على الضربة الصاروخية الأمريكية البريطانية الفرنسية على سوريا. وأورد الموقع ما نصّه: "في حين أن صواريخ كروز أمطرت على المواقع الكيميائية السورية، جددت قوة سورية-حزب الله ، مدعومة من الروس، دفعهم لعبور نهر الفرات وانتزاع السيطرة من أمريكا على حقل كونوك السوري الشرقي وحقل النفط العمر"، وفق تعبير الموقع.

وفي الوقت الذي تكثر فيه التقارير الإعلامية حول عدم انتقام موسكو من الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة، كانت موسكو تستعد بهدوء لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تم نشر قاذفات روسية ثقيلة من طراز Tu-95 و Tu-22M الخميس إلى القواعد الجوية في إيران، مما أدى إلى تقليص وقت الطيران إلى سوريا والعراق لمدة أربع ساعات على الأقل، وكانت سفن الشحن الروسية تمر عبر مضيق البوسفور يومي الجمعة والسبت على مرأى ومسمع من مراقبة الاستخبارات، محملة بمعدات عسكرية جديدة للجيش السوري.

وفي حين أن إدارة ترامب اهتمت بالاحتفاظ بالهجوم المتعدد الأطراف في سوريا على أهداف محددة بدقة، لم يعد الروس أبداً بالحد من رد فعلهم، وقد يذهبون إلى نجاح عسكري كبير في سوريا من أجل القضاء على تأثير الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة.

وكانت آلة المعلومات الروسية تعمل بالفعل قبل ظهر يوم السبت، عندما أكد الكولونيل جنرال سيرجي رودسكوي من هيئة الأركان العسكرية الروسية أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع قد أسقطت 71 من أصل 103 صواريخ أطلقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في سوريا، بمساعدة المراقبة من خلال "أسلحة الدفاع الجوي روسية الأصل" - ولكن بدون الاشتباك المباشر لأي صواريخ روسية.
وكانت هذه رسالة إلى واشنطن مفادها أن موجة جديدة من الهجمات في سوريا ستواجه مشاركة روسية مباشرة".

والآن هل انتهت الحرب؟ لا نظن ذلك ولكن ستظل هناك محاولات لإفساد انتصار المقاومة وسيكون للعدو الصهيوني دور متوقع وخاصة بعد المكالمة الغاضبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونتنياهو والتي تسرب أنها شهدت حدة من الطرفين.

نحن أمام معركة صفرية وهزيمة امريكا في سوريا تعني فقدان السيطرة على اوراسيا وهي محور الصراع الدولي، وبالتالي فإن اللجوء إلى حرب كبرى تعد مسألة مؤجلة ولكنها حتمية.

 

(إيهاب شوقي - موقع العهد)

آخر الأخبار