منافسة سعودية ـ إماراتية على عدن والقبائل: صراع النفوذ على الجنوب

أحد الأسباب لتلازم صفة «السعيد» مع ذكر اليمن، يعود إلى موقعه المشرف على البحر الأحمر وبحر العرب في آن، حيث تجمع «جنة عدن» بينهما. الموقع المميز نفسه مع ما ينتج منه من امتيازات اقتصادية كبرى، يترافق مع عوم اليمن على حقول نفطية لم تقِ شعبه شرّ الفقر المدقع. الغزو الإماراتي للجنوب اليمني ضمن العدوان السعودي المستمر، جاء لترجمة تقاسم النفوذ بين الرياض وأبو ظبي من عدن إلى حضرموت، من دون أن يخلو ذلك من اندلاع صراع دموي بين الطرفين على «الحصص».

 

في مطلع حزيران الماضي، وقف اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي على منبر «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، محدّداً تصوره لمستقبل الشرق الأوسط. في الندوة الشهيرة التي اجتمع خلالها بمدير الاستخبارات الإسرائيلية دوري غولد، استعرض عشقي مشروعين اقتصاديين مرتبطين باليمن مباشرةً:
الأول هو مشروع «مدينة النور» الممتدة بين اليمن وجيبوتي عبر «جسر النور» البحري الرابط بين المدينتين، وبالتالي بين القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية.
الثاني هو حقل نفطي «واعد» يمتد من محافظة الجوف شمال اليمن إلى صحراء الربع الخالي، تحتّم حمايته، بحسب عشقي، الوصول إلى «اتحاد خليجي» مع اليمن، في إطار الحفاظ على المكتسبات من الحقل الخاضع بغالبيته للسيادة اليمنية.
يبدو أن حراك «أنصار الله» خلال السنة الماضية، الذي دفع باليمن إلى خارج العباءة السعودية والخليجية عموماً، أثار مخاوف بعض الدول من فقدان السطوة على الموارد اليمنية والمشاريع الاقتصادية الكبرى المرتقبة.
بهذا المعنى، فإن للعدوان على اليمن وجهه السياسي الواضح، لكنْ له وجه اقتصادي أيضاً. وفي الحالتين، تؤدي السعودية ودولة الإمارات الدور الأساسي. وفيما تشير مصادر يمنية، فضلاً عن معطيات ميدانية، إلى اتفاق بين الدولتين على تقاسم النفوذ في الجنوب اليمني، ينشب صراع مستجد على «الحصص» من عدن إلى حضرموت، في خروقات عدة لقواعد الاشتباك بينهما.

 

«مدينة النور»

 

جرى إقرار مشروع «مدينة النور» عام 2006، بعد لقاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح بأكثر من 150 شركة عالمية، قبل أن يرسو المشروع وتنفيذه على رجل الأعمال اليمني عبدالله بقشان. الكلفة التقديرية الأولى للمشروع هي نحو 140 مليار دولار، بحسب مصادر يمنية. وفي حال تنفيذه، سيمسك المشروع الكبير بمفاصل الاقتصاد في القرن الأفريقي وفي دول شبه الجزيرة، وخصوصاً أن مخططه الهندسي الذي أقر قبل تسع سنوات، يظهر أن مساحة «مدينة النور» تفوق مساحة مدينة دبي بأضعاف. أما مركز إدارة هذه المدينة فسيكون المنطقة الحرة في عدن التي تُبيّن السنوات الماضية أن دولة الإمارات تبذل كل ما في وسعها لتحجيمها والحدّ من ازدهارها، بواسطة «شركة موانئ دبي».
منذ بدء العدوان، سمع زعماء جنوبيون من مسؤولين إماراتيين ما مفاده أن الإمارات ستتولى إعادة إعمار الجنوب، حتى قبل بدء المعارك هناك. وفي تموز الماضي، تصدّرت القوات الإماراتية الهجوم على عدن، لا بل إنها كانت راعية عملية «السهم الذهبي» التي أحدثت خرقاً كبيراً في خريطة نفوذ الجيش و«أنصار الله» جنوباً. بغطاء جوّي فاق المئتي غارة، ضرب الطيران الإماراتي مناطق عدن، حتى أمّن للمجموعات المسلحة السيطرة على غالبيتها، قبل نحو شهر من الآن، حتى جرى وصف النهج الإماراتي في عدن بسياسة «الأرض المحروقة».
على الجانب اليمني، تمتد «مدينة النور» من محافظة أبين إلى ميناء المخا في تعز على ساحل البحر الأحمر، وهي تماماً الخريطة التي تعمل وفقها الإمارات في عملياتها العسكرية في جنوب اليمن. وبحسب عشقي، يوجب تحقيق مشروع «مدينة النور» إحياء الميناء الحرّ في عدن، وهو ما يوضح سبب أن يكون لأبو ظبي اليد الطولى في عمليات عدن. الإمارات، بالتزامن مع عملها العسكري، طرحت مبادرة للحلّ في اليمن، ركزت فيها على نقطة وضع اليمن تحت الوصاية الخليجية مؤقتاً قبل ضمه إلى مجلس التعاون الخليجي.

 

 

يبدو غزو عدن ضرورةً للإمارات بأي ثمن، قبل أن ترعى الدولة الخليجية «تحرير» محافظات جنوبية غربية أخرى، مثل لحج وأبين. وفيما كثف طيران التحالف غاراته في الأيام الماضية على تعز، تشير المصادر إلى أن التحالف يخطط لهجوم كبير على ميناء المُخا على ساحل تعز، خلال الأيام المقبلة برعايةٍ إماراتية، في سيناريوات شبيهة لما شهدته مدن جنوبية غربية أخرى، على أن يجري إنزال قوات عسكرية أجنبية في ميناء المخا المطل على مضيق باب المندب، وفقاً لتوقعات المصادر. وسيأتي الهجوم على المخا، بعد السيطرة على مديرية زنجبار في محافظة أبين، لفتح الخط الساحلي الدولي الممتد بين المحافظتين، إذ تؤكد المعطيات أن الهجوم على أبين جاء لهذا الهدف فقط.
تمثل المخا بوابة مشروع «مدينة النور» التي ستضم آلاف الوحدات السكنية وناطحات السحاب، لتكون بحق «دبي ثانية». ووفقاً للمصادر، تعمل السعودية بدورها على إنزال قواتها في المخا تاركةً عدن والعند للإمارات. لكن الإمارات ترفض هذا الأمر وتريد أن تكون قواتها هي منفذة «تحرير المخا»، على قاعدة الاتفاق الضمني بين الدولتين: حضرموت ومأرب والجوف للسعودية، وعدن وأبين ولحج وتعز للإمارات.

 

صراع دموي

 

ورغم ما تؤكده أوساط يمنية مطلعة بشأن الاتفاق على تقاسم النفوذ بين الدولتين في اليمن، ولا سيما في جنوبه، تثير الصراعات الواضحة بينهما تساؤلات عدة عن الخلافات المستعرة في كواليس «التحالف»، وعن تضارب المصالح الذي يبدو أن احتواءه يفشل.
تريد السعودية حضرموت ومأرب والجوف، بما يضمن لها السيطرة على الحقول النفطية وتنفيذ مشاريع ازداد الحديث عنها في الآونة الأخيرة، ولا سيما مشروع الممرات النفطية في حضرموت إلى بحر العرب، ما يؤهل السعودية للاستغناء عن مضيق هرمز.
ولكن فيما ترسم الدولتان حدود نفوذهما في اليمن بالنار، يبرز السباق والمنافسة من خلال مسألتين أساسيتين: أولاً الغارات «المجهولة» التي استهدفت مراراً قوات مسلحة مؤيدة لهادي ومناوئة للجيش وللحوثيين؛ وثانياً المنافسة على شراء الولاءات العشائرية في اليمن.
في تموز الماضي، قصفت طائرات العدوان معسكر العبر الموالي للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، ما أدى إلى مجزرة قتل فيها 120 جندياً يمنياً. القصف لم تكشف ملابساته فوراً وسرى الكثير من الشائعات حوله، غير أن العملية التي تكررت مرات عدة ضد أهداف تابعة للجيش وأخرى للحراك الجنوبي، يبدو أنها تندرج ضمن الصراع الإماراتي ــ السعودي، إذ تبين أن الطيران الإماراتي هو من قصف معسكر العبر في حضرموت الخاضع لسلطة السعودية. كما تبين أيضاً، أن الغارات «المجهولة» التي استهدفت قوات مسلحة تابعة لـ«الحراك الجنوبي» في عدن وأبين، هي في الواقع غارات إماراتية، وهدفها القيادات الجنوبية الموالية للسعودية. آخر تلك العمليات كانت قبل يومين، في منطقة الوضيع في أبين، وأسفرت عن مقتل 40 مقاتلاً، سبقتها بيومٍ واحد غارة أخرى في منطقة العلم بين عدن وأبين، في عملٍ ممنهج لـ«تطهير» ما بات يُعرف بـ«مناطق نفوذ الإمارات»، من أي قوى سعودية وازنة في الميدان.
أما في الصراع على شراء ولاءات المشايخ والقبائل، فيبدو أن الإمارات سحبت البساط من تحت أقدام السعودية، إذ استطاعت اختراق الولاءات العشائرية للسعودية في اليمن. وتقول المصادر إنها تمكنت من استقطاب اللواء هاشم الأحمر، وهو نجل رئيس مجلس النواب سابقاً الشيخ عبدالله الأحمر، وأحد أكبر حلفاء السعودية في اليمن، وشقيق اللواء الفار حميد الأحمر. ويسافر العديد من مشايخ مأرب إلى دبي، حيث يعقدون اجتماعات مع مسؤولين إماراتيين، فيما لا يزال مشايخ آخرون من المحافظة التي تُعدّ من «مناطق نفوذ السعودية» يترددون إلى جدة والرياض.
إلى ذلك، تشير المصادر إلى أن «الأمان» النسبي المتوفر للسعودية في المناطق التي تهمها في اليمن، مفقود في الحالة الإماراتية. فالقوات السعودية تبقى على حدود أراضيها ومحميّة بصحراء واسعة، تحد من نسبة الأضرار التي ستلحق بها عند أي مواجهات محتملة، بعكس الإمارات التي تُعرّض قواتها في الجنوب اليمني لخطر مؤكد. وخسرت الإمارات في الآونة الأخيرة عدداً من ضباطها وجنودها في معارك مع الجيش و«أنصار الله»، كان آخرها «محرقة» الدبابات الإماراتية في عدن، بعدما استخدمت «أنصار الله» صواريخ «كورنيت» للمرة الأولى في المعركة.

(جوي سليم/الأخبار)

 

آخر الأخبار