رئيس بعثة «الصليب الأحمر» باليمن: هذا ما شاهدناه في سجن «بئر أحمد»

شهر واحد بعد وتنتهي مهمة رئيس بعثة «الصليب الأحمر» في اليمن ألكساندر فايتي، بعد مرور عامين على تسلمه مهامه التي بدا مع قرب انتهائها متعباً من ما قاساه جراء الأوضاع الانسانية الصعبة في هذا البلد، مهمة يختصرها ببضعة كلمات تكاد تكون كافية لرسم ملامح تلك الأوضاع، وهي تتجه إلى المزيد من الانحدار نحو الأسوأ، مع دخول الحرب عامها الثالث وغياب أفق الحل السياسي.
«العربي» التقى فايتي على هامش جلسة إعلامية للجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر»، انعقدت في بيروت الأربعاء، وحملت عنوان «سوريا، العراق واليمن:عدسة إنسانية»، فكان حديث موسَّع طال أغلب القضايا والملفات المتعلقة باليمن، بدءاً من عمل «الصليب الأحمر» والعمليات الإنسانية التي ينفذها، مروراً بواقع الأمراض التي يعاني منها اليمنيون وآخر ما توصلت إليه الإحصاءات، وليس انتهاءً بملف الأسرى والسجون، الرسمية منها وغير الرسمية، التي تدار على أرض اليمن وخارجه. وفي ما يلي نص المقابلة.



برز في الآونة الأخيرة دور «الصليب الأحمر» في تأمين الدعم الإنساني لليمنيين، هل يمكن القول أن البعثة تمكنت من تجاوز الحصار المفروض على البلاد؟
موضوع تخطي الحصار أمر شائك نوعاً ما ومعقد، ويتفرع منه العديد من التفاصيل، لنأخذ مثلاً موضوع حاجة اليمن للمسلتزمات الطبية والأدوية ومنها المواد المخدرة التي تدخل ضمن عمل المستشفيات والعمليات الجراحية، نظراً لصعوبة استيراد هذه المواد بفعل العمليات القتالية الدائرة على الأرض، بات اليمن يستورد أقل من 30% من نسبة المواد المخدرة التي درج على استيرادها، ونتيجة لهذا الأمر، ارتفعت أسعار هذه المواد بشكل كبير. نعم يمكن القول إن المادة المخدرة موجودة ولكنها متاحة للأغنياء بشكل خاص. لارتفاع الدراماتيكي في الاسعار جعل من الفقراء أعجز من أن يستطيعوا تأمين هذه المادة. وهنا يأتي دورنا، فنحن نسعى لتأمين ما استطعنا من مسلتزمات طبية للمستشفيات بما يساعدها على أداء عملياتها الجراحية للمدنيين، كذلك الأمر لضحايا الحرب والمعارك. وبدانا أيضاً تأمين مادة الإنسولين لوزارة الصحة اليمنية، وهو شيئ لم يسبق للصليب الأحمر أن قام به، هذا فضلاً عن تأمين الأدوية للأمراض المزمنة، ومن أصل نحو 28 مركزاً طبياً نعمل على تأمين الدعم لثمانهية مراكز في اليمن، طبعاً الأمر ليس كافياً ولكن هذا ما استطعنا القيام به في ظل الحصار.


هناك شكاوى في عدد من مناطق الشمال مثل حجة، وعمران وصعدة، تتعلق بغياب المنظمات الإنسانية عنها، كيف يمكن تبرير مثل هذا الغياب؟
لن أستطيع الكلام عن باقي المنظمات، ولكن نحن كبعثة لـ«الصليب الأحمر» نمتلك عدداً من المكاتب في صعدة والحديدة وصنعاء وتعز وعدن، نحن متواجدون هناك ونؤمن الدعم في مجال تأمين الغذاء والدواء والصحة وتوفير المياه.
في صعدة أنهينا منذ فترة قليلة عملية كبيرة لتوزيع الغذاء، وفي الحديدة ساعدنا السلطات المسؤولة على صيانة المعدات التي تساعد في إيصال المياه إلى المواطنين، بالطبع هذا الدعم غير كاف، ولكن نحن نمتلك ميزانية محددة لليمن، وعلينا أن نراعي الحاجات الملحة في توزيع المساعدات للمناطق، ولا يمكن لبلد ما يعاني من الحرب، أن يعيش على المساعدات الإنسانية فقط، وفي هذا الإطار، رفعنا الصوت ولا نزال في سبيل السماح بإدخال المواد الأساسية إلى البلاد، أكان عبر مرفأ عدن أو الحديدة. وفي ما خص الأخيرة وأعني الحديدة، يجب فتح المجال أمام عودة الحركة التجارية عبر المرفأ، لأنه بغير ذلك فإن الأسعار ستتابع ارتفاعها، وبالتالي لن يتمكن المواطنون من شراء احتياجاتهم الأساسية، لذلك يجب السماح بإدخال البضائع والمواد، وفي هذا الإطار، نحن كصليب أحمر نجري محادثات مع عدد من الدول المهمة والمؤثرة، بالإضافة إلى اتصالاتنا مع دول «التحالف العربي» لإبقاء ميناء الحديدة قيد العمل.


كيف يؤثر «التحالف العربي» على عمل «الصليب الأحمر»، ماذا يقدم لكم من مساعدات وتسهيلات، وبماذا تطالبونه؟
برغم كل ما تمر به البلاد فإننا لم نمنع من أداء عملنا، الجميع يسمح لنا بأداء مهامنا عبر جلب المواد وما الى ذلك، ولكن النقطة المهمة هي أن المساعدات الإنسانية غير كافية، لهذا كنا نطلب من الجميع أن يسمحوا باستيراد البضائع التجارية وليس الإنسانية فقط، المساعدات الإنسانية لم تتوقف، نعم قد يتم تأخيرها بسبب انتشار نقاط التفتيش وما شاكل ولكنني أستطيع أن أؤكد أنها لم تتوقف.
حركة تدفق البضائع إلى البلاد غير كافية، لهذا نناشد الأحزاب جميعها ومعها المجتمع الدولي، و«التحالف» الذي يسيطر على أغلبية نقاط الإستيراد في البلاد، للسماح بدخول هذه البضائع التجارية، ميناء الحديدة لم يتوقف عن العمل بشكل كامل، وقد يكون الضغط الذي مارسناه نجح في إدخال بضعة شحنات عبر المرفأ، تحمل بضائعاً مختلفة من ضمنها المواد النفطية، وما يقال عن عدم إدخال المواد من الحديدة أمر غير صحيح، غير أننا نطالب أيضاً برفع حظر إدخال عدد من البضائع الأساسية، مثل الطعام، المسلتزمات الطبية، والوقود... خاصة وأن الوقود يساعد على تشغيل مولدات الطاقة في المستشفيات، وفي محطات ضخ المياه.


أين وصلت جهود مكافحة مرض الكوليرا؟
هناك ما يقرب من مليون حالة كوليرا مشتبه فيها في اليمن، وقد بلغت الوفيات قرابة الألفي حالة، وهذا نتيجة سوء الأوضاع الصحية وغياب النظافة نتيجة الأوضاع السيئة التي تعصف بالبلاد. 
لحسن الحظ تشهد الكوليرا منحى انحدارياً، ولكننا نشهد ارتفاعاً في حالات مرض الدفتيريا، وهو أيضاً يرتبط بحالة المياه السيئة.


وماذا عن ما يثار من كلام عن بروز أمراض مجهولة في حضرموت وصنعاء؟
لا أملك أي معلومات عن مثل هكذا أمر، ولم نطلع على وجود مثل هكذا أمراض، أكان في صنعاء أو حتى في حضرموت، نحن نأخذ أمور الأمراض والأوبئة على محمل الجد، ونتعاطى معها بكل حساسية، وأعود وأؤكد أننا لم نلحظ انتشار أي مرض مثير للريبة.

 



 


ماذا عن مرضى الفشل الكلوي، هل هناك أي جهود تبذل لتسهيل أمور حصولهم على العلاجات خارج البلاد؟
لا يوجد توجه لدى «الصليب الأحمر» لإجراء عملية إجلاء لمرضى الفشل الكلوي من اليمن، نحن نعمل على مد يد العون لليمنيين لكي ينالوا علاجاتهم داخل الأراضي اليمنية، لأننا نعلم أنه ليس باستطاعتنا إخراجهم من البلد. على صعيد المحادثات مع «التحالف» لتسهيل أمور خروج المصابين، فإن الأمر ليس على قائمة أعمالنا وليس في أجندتنا، حتى إذا ما أردنا إخراج المرضى للعلاج، فإننا لن نستطيع توفير ذلك إلا لمجموعة صغيرة، كما أن الأمر لن يكون متاحاً للناس الفقراء، وهم الأغلبية العظمى في البلاد، لا يجب علينا أن نركز على فئة صغيرة من السكان، نحن نعمل لخدمة أكبر عدد ممكن، كما يتوجب علينا أن ندعو «التحالف» للسماح بإدخال دائم للمستلزمات الطبية إلى البلاد، نريد علاج الناس داخل اليمن وليس خارجه.


في خلال الأيام الماضية تمكنت بعثتكم من الوصول إلى مركز احتجاز جديد في عدن، كيف تصفون حال المحتجزين هناك؟
قمنا بزيارة عدد من مراكز الاحتجاز في عدن وتعز وصنعاء والحديدة وغيرها، في عدن قمنا بزيارات سابقة لعدد من مراكز الاحتجاز، وفي الآونة الأخيرة قمنا بزيارة مخيم بئر أحمد، وهي المرة الأولى التي يسمح لنا فيها بدخوله، وتمكنا من مقابلة نحو 279 محتجزاً، بعضهم من «أنصار الله» والبعض الآخر من الجهاديين، قمنا بتسجيلهم وتمكنا من إجراء مقابلات معهم على انفراد وبشكل يمكنهم من التكلم بصراحة من دون ضغوط وبشكل سري، كما أن لدينا فريق يتجه الآن إلى مأرب لتفقد مركز احتجاز هناك.
تحدث رئيس اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» بيتر ماورير، في بيان أصدره يوم الأحد الماضي، عن زيارة 11 ألف محتجز في العام 2017، هل يتضمن هذا الرقم أيضاً أعداد المحتجزين في سجون سرية تديرها الإمارات؟
حصلنا على إذن الدخول إلى عدد من مراكز الاحتجاز في تعز وفي عدن، بعضها رسمي، وبعضها غير رسمي مثل بئر أحمد، إذا كان هناك أي مراكز احتجاز لم نزرها بعد وتم إبلاغنا بوجودها، فإننا بالطبع سنحاول الوصول إليها. (وكان فايتي اعتبر في الجلسة الإعلامية لـ«الصليب الأحمر» اليوم، أن الحرب في اليمن لم تعد محصورة داخل حدود هذا البلد، بحيث تشارك فيها أكثر من دولة، وأفاد بأن بعثة المنظمة زارت مركز احتجاز لليمنيين داخل الأراضي السعودية).


ماذا عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ترتكب في اليمن؟ هل هناك أي مساع لنقل هذه الجرائم إلى المحاكم الدولية؟
في أي صراع هناك انتهاكات من قبل الأطراف كافة، ومن الخطأ التحدث عن جهة واحدة تلقى على عاتقها تلك الانتهاكات، نحن في هذا الإطار ندعو الأحزاب جميعها للإلتزام بالقانون الدولي، الموضوع هو أنه عندما يحدث انتهاك نقوم بما نحن قادرون عليه، ونقوم بالأمر بشكل غير معلن معظم الأحيان، وفي أحيان أخرى يكون تحركنا علنياً عبر تحريك دول كبرى لوقف مثل هكذا انتهاكات.
نحن كـ«صليب أحمر» غير معنيين بالمحاكمات الدولية، لسبب وحيد هو أنه إذا عملنا على هذا الخط فإننا سنفقد قدرة الوصول ودخول المناطق لأداء مهماتنا، نحن نؤمن بضرورة إجراء المحاكمات انطلاقاً من احترامنا للقانون الدولي، ولكن علينا أن نختار عملنا بدقة، نحن لا نستطيع تقديم أي أدلة قد نكون نمتلكها في هذا الإطار، خصوصاً أن من يرتكب هكذا انتهاكات إذا ما لاحظ أننا على علاقة بتقديم أي نوع من الأدلة التي قد تدينه فإنه لن يرغب في رؤيتنا مرة أخرى، إن أي تحرك من هذا القبيل من شأنه أن يعقد عملنا، فلا نستطيع حينها الوصول للمحتجزين، كما أننا لن نكون قادرين على الوصول إلى مناطق القتال لتقديم المساعدة.


ما هي الرسالة الأخيرة التي ترغب في توجيهها؟
الوضع في اليمن يتجه نحو الأسوأ، مهمتي التي امتدت إلى نحو سنتين تنتهي بعد نحو شهر من الآن، طوال هذه المدة كنت بعيداً عن عائلتي وآن لي أوان العودة إليها. خلال عملي لمست تغييراً كبيراً في الأوضاع الانسانية، وأعني بين بداية مهمتي قبل سنتين واليوم، الوضع بات أصعب للناس العاديين، آمل أن يتم الوصول إلى حل سياسي قريب تتوقف الحرب على إثره، وخلال هذا الوقت، آمل أن تحترم الأطراف كافة القانون الدولي وتحرص على استمرار إيصال المساعدات الإنسانية.

(العربي)

آخر الأخبار