ماذا بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح؟

ماذا بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي لعب دوراً بارزاً في واقع اليمن على مدى يمتد الى نحو 40 عاماً؟ هل يستتب الأمر لأنصار الله في صنعاء والمحافظات الخارجة عن نطاق سيطرة التحالف السعودي- الإماراتي؟ وما هو المتوقـَّع ازاء مستقبل الحرب التي تُشن على اليمن؟  

من نافل القول ان علي عبد الله صالح ذهب ضحية طموحه السياسي الذي يدفعه دوماً الى تغيير تحالفاته، وهو عمل جاهداً لتكبير حصته في السلطة القائمة في صنعاء بالائتلاف مع أنصار الله. لكن هذا الائتلاف مرّ بأزمة في فترات متعددة نتيجة الخلاف حول طريقة ادارة الدولة، الأمر الذي انعكس شللاً في بعض الإدارات، وتخلله تبادل اتهامات بين الجانبين. لكن الأزمة بلغت ذروتها مع تغيير صالح وجهته السياسية لناحية مدّ اليد الى قوى العدوان وإعلانه النفير ضد أنصار الله ودعوته للتمرد على السلطة القائمة في العاصمة. وكان هذا مقتلاً سياسياً قبل اي شيء آخر. فظرف الحرب استثنائي ولا يحتمل وجود سلطتين متناحرتين في صنعاء، وربما يكون صالح قد ذهب الى الحد الأقصى وراهن على حلم أنصار الله وبأنهم سيسعون الى التراجع واسترضائه. والرهانات في السياسة لا تصح دائماً. هذا من دون استبعاد وجود علاقات تنسيق من تحت الطاولة بين صالح وتحالف العدوان، كما يقول أنصار الله.
ومن المنطقي الربط بين تصاعد الوضع العسكري في اليمن مؤخرا على ضوء معلومات أشارت الى توجه انصار الله الى توجيه ضربات الى تحالف العدوان ومن ضمنه الإمارات، وبين التطورات التي حصلت في صنعاء لاحقا. ومعروف ان علي عبد الله صالح بقي على تواصل مع دولة الإمارات عبر ابنه أحمد (السفير في ابو ظبي) والذي كان من قبلُ قائد الحرس الجمهوري في أيام والده وكان – كما يقال – يعدّه لخلافته. وبهذا المعنى يكون صالح قد بادر الى التمرد لتعطيل توجهات انصار الله العسكرية التي من شأنها ان تقطع الطريق على رغبته في الحصول على اعتراف اقليمي والعودة القوية الى الساحة السياسية. كما يوجد رابط معقول بين تحرك صالح والحديث عن تسريع قوى العدوان التحرك باتجاه صنعاء عبر جبهة نهم. وأمس تحديداً، وقبل قليل من ذيوع خبر مقتل صالح، اعلن مصدر قريب من عبد ربه منصور هادي ان الاخير أمر الفريق علي محسن الاحمر "بسرعة التقدم نحو صنعاء"، كما اعلن رئيس حكومته احمد بن دغر ان "عفوا عاماً وشاملاً سيتم عن كل من تعاون مع الحوثيين". هل يبقى بعد ذلك شك في ان قطبة مخفية كانت تربط بين تحرك صالح وبين القوى المنخرطة في التحالف السعودي - الإماراتي؟  
بالتأكيد، تحاول السعودية على رأس الحلف الذي تقوده في اليمن ان توظف مقتل صالح لإحداث خلخلة في الوضع الداخلي اليمني، اعتماداً على تقديرات هي أقرب الى التحليلات بأن العنصر الحزبي (نسبة الى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي قاده صالح) والعنصر القبلي (نسبة الى الارتباطات التي قامت بين الرئيس السابق وبعض القبائل) سيقوّضان سلطة أنصار الله تأسيساً على ما حدث. غير ان التباينات اليمنية لا تسمح بالاعتقاد ان مقتل صالح سيغير كثيراً من الواقع على الأرض، خصوصاً ان أنصار الله أثبتوا انهم الجهة الوحيدة المنظمة القادرة والتي تمتلك مشروعاً لمقاومة الهيمنة السعودية على اليمن ولها نفَس طويل على مقاومة التهديدات والإغراءات.  
الآن، هناك انعكاسات محتملة للأحداث الأخيرة:
1-    أمنياً: يُحتمل ان يؤدي مقتل صالح ومسؤولين كبار في حزبه الى حدوث تصدع ما في الوضع الامني، حيث سيكون لقوى العدوان عناصر اضافية تقف معهم ثأراً لمقتل زعيمهم. لكن من الوقائع التي سُجلت في اليومين الماضيين، يتبين ان التحركات السريعة لأنصار الله شلت محاولة التمرد التي قادها العميد طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق وأضعفت امكانية حدوث خرق واسع في الجبهة الداخلية. وبالتالي، ستزداد هيبة انصار الله في صفوف القبائل والاحزاب، خاصة اذا ما ترافقت مع حسن ادارة داخلية سياسياً وخدمياً، وايضا مع تحقيق انجازات عسكرية بارزة على الجبهة.
2-    حكومياً، من المعتقد ان حدة الاستقطاب الحكومي ستتراجع، بما يسمح بإدارة الوضع الناشئ عن الحرب بطريقة منسجمة.
3-    سياسياً، قد يكون من الصعب على اية قيادة جديدة في حزب المؤتمر الشعبي التحرك نحو الحوار مع انصار الله بعد ما جرى، خصوصا ان انصار الله يعتبرون صالح خائناً. والحزب المذكور نشأ على الولاء "للزعيم" بشكل خاص. وربما تبرز قيادة بديلة لكنها قد لا تتمكن من الإمساك بأطراف الحزب، الأمر الذي يرجح احتمال حدوث انقسام على خلفية استقطابية شخصية او على خلفية سياسية تتعلق بالموقف من التحديات الراهنة.
4-    عسكرياً، سيؤدي مقتل صالح على الارجح الى التسريع في المواجهات، وستتحرك قوى التحالف السعودي – الإماراتي للإفادة من اللحظة لتقديم المساندة العسكرية (الجوية او البرية) لمجاميع متمردة لا تزال كامنة. ومن جهتهم، سيتحفز انصار الله لتسديد ضربات قوية لقوى العدوان، بعد تحصينهم الجبهة الداخلية. والخيار العسكري من شأنه ان يساعدهم على الاستقطاب الشعبي وعلى التسريع في وضع نهاية للحرب بعد نقل المعركة الى مدن قوى العدوان.

 

(علي عبادي - موقع العهد)

آخر الأخبار