الكونغرس: التدخل السعودي في اليمن وضع واشنطن في موقف صعب

ركّز أحدث تقرير قُدم إلى الكونغرس الأميركي بشأن تأثير الحرب التي تشنها السعودية على اليمن، منذ آذار 2015، على موقف الولايات المتحدة من هذه المسألة، حيث أشار إلى أن «التدخل العسكري السعودي في اليمن، وضع الولايات المتحدة في موقف صعب». وأوضح التقرير أن «المسؤولين الأميركيين يتشاركون المخاوف السعودية بشأن إطاحة حكومة عبد ربه منصور هادي، وما نجم عن ذلك من تهديدات متطرفة مسلّحة من أنصار تنظيم القاعدة وداعش في اليمن، من ناحية. ومن ناحية أخرى، يُدخل التدخل السعودي الولايات المتحدة شريكاً رئيسياً في نزاع مسلّح يبدو مستعصياً».

وقال التقرير، الذي أصدرته هيئة خدمات الأبحاث في الكونغرس الأميركي، إن استخدام السعودية للأسلحة الأميركية يبدو أنه قد ساهم في نزوح جماعي للمدنيين اليمنيين، وأسفر عن خسائر في صفوفهم وأضرار في البنية التحتية. وأكد أن التدخل السعودي ساهم في «اكتساب الجماعات المتطرّفة أرضية جديدة»، مضيفاً في الوقت ذاته أن قوات الحوثيين والجيش اليمني تهدّد الحدود الجنوبية للسعودية. وزعم التقرير أن ذلك يحظى ببعض الدعم الإيراني.
من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن «للتدخل السعودي في اليمن آثاراً أوسع على قيادة السعودية واستقرارها في المستقبل». وقال إنه «بقدر ما يصور ولي العهد محمد بن سلمان نفسه كمهندس وقائد للتدخل، فإن نجاحه النسبي أو فشله قد يشكل تصورات عن كفاءته وحكمه. كما أن الخسائر في صفوف السعوديين في الحملة قد كلفت الجيش السعودي بعض الأفراد الرئيسيين، إضافة إلى الحساسية السياسية المحلية للجهد العام». وكان مقتل العشرات من أفراد القوات السعودية في أيلول وكانون الأول 2015، والهجمات الصاروخية، قد شكلت ضربات صعبة في هذا الصدد.

وعلى الرغم من المخاوف المحتملة من تداعيات العمليات التي تقودها السعودية، أعربت حكومتا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وحكومة الرئيس الحالي دونالد ترامب عن دعمهما الدبلوماسي للجهود السعودية لإعادة تشكيل حكومة هادي، وقدمت الدعم اللوجستي والاستخباري للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية. وقد تم إنشاء خلية تخطيط مشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية، لتنسيق تقديم الدعم العسكري والاستخباري للحملة، لكن العديد من أفرادها قد تم سحبهم في حزيران 2016. كما جرى، مع مرور الوقت، تعديل المساعدة المقدمة من الولايات المتحدة للسماح بفحص الولايات المتحدة للأهداف التي تختارها السعودية. وفي حين أن المشورة والمساعدة الأميركية تهدف إلى دعم الحملة السعودية، فقد ذكر مسؤولون أميركيون أنها صممت خصيصاً للحد من نطاقها المحتمل ومدتها. وقد تحدث الأميركيون مراراً وتكراراً، بعبارات واضحة، عمّا يرون من أهمية تجنّب الخسائر بين المدنيين والتوصل إلى حلّ تفاوضى للأزمة.
يذكر أن قانون تفويض الدفاع القومي للعام المالي 2015، يتطلّب من الحكومة الأميركية أن تقدم تقريراً إلى الكونغرس عن الاستراتيجية الأميركية في اليمن، والعمليات والسياسات السعودية، والدعم الأميركي للعمليات العسكرية السعودية.
وقد دفعت المخاوف بشأن مقتل المدنيين اليمنيين في الغارات الجوية السعودية، ومساهمة العملية في تدهور الأوضاع الإنسانية، ومكاسب تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» بعض أعضاء الكونغرس والمسؤولين الأميركيين إلى حثّ جميع الأطراف على السعي إلى تسوية سريعة. وحافظ الرئيس السابق باراك أوباما على الدعم اللوجستي الأميركي للعمليات السعودية في اليمن، لكنّه قرر في عام 2016 خفض الدعم الذي يقدمه المستشارون الأميركييون، والحد من عمليات نقل الأسلحة الأميركية. إلا أن ترامب اختار المضي قدماً في مبيعات تكنولوجيا الذخائر الموجهة بدقة، التي كانت حكومة أوباما قد أجّلتها. وجدد وزير الخارجية ريكس تيلرسون دعوات إلى تسوية سياسية مدعومة بدعم عسكري للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وأوضح التقرير أن الدعم الأميركي للعمليات العسكرية السعودية في اليمن، والاستخدام السعودي للأسلحة الأميركية لقي اهتماماً جديداً لدى الكونغرس لإجراء مراجعة لبيع الأسلحة الأميركية للسعودية. وفي الدورة الـ 114 للكونغرس، قام بعض الأعضاء بمراجعة المبيعات المقترحة لآلاف الذخائر جو ــ أرض، والدبابات الموجهة إلى السعودية، في سياق المخاوف بشأن سلوك الجيش السعودي في اليمن. وفي أيلول 2016، صوّت مجلس الشيوخ على طرح اقتراح لمواصلة النظر في قرار مشترك بعدم الموافقة على بيع صفقة دبابات مقترحة. وفي الدورة الـ 115 الحالية للكونغرس، فرض قرار لمجلس الشيوخ على حكومة ترامب تقديم إحاطة مفصلة وتقديم شهادات بشأن تدابير الحماية المدنية السعودية، وتدفق السلع الإنسانية إلى اليمن والجهود السعودية لمكافحة الإرهاب، قبل نقل أي ذخائر جو ــ أرض إلى السعودية. وفي حزيران الماضي، صوّت مجلس الشيوخ بغالبية ضئيلة ضد مشروع قرار يدعو إلى مواصلة النظر في قرار مشترك بعدم الموافقة على المبيعات المقترحة من الذخائر الموجهة بدقة إلى السعودية.
وبيّن التقرير أنه بينما يدعو المسؤولون الأميركيون السعودية إلى البحث عن تسوية تفاوضية في اليمن، والسماح للمعارضة داخل السعودية بالتعبير السلمي والمساهمة في الجهود المبذولة ضد التطرف في الخارج، إلا أن «تاريخ العلاقات الأميركية السعودية يشير إلى أن أي انتقادات أميركية أكثر صرامة لسياسات المملكة، قد يبقى مطروحاً في إطار الانخراط الدبلوماسي الأميركي الخاص مع السعودية بدلاً من مناقشة رسمية علنية».

 

(محمد دلبح - الأخبار)

آخر الأخبار