آخر حروب المملكة

لقد استثمرت المملكة في الارهاب منذ ثمانينيات القرن الماضي على الاقل، بعد دعمها لتنظيم القاعدة في افغانستان، الا أن قيادة المملكة فاتها أن «دراسة الجدوى» التي قد كانت ملائمة في ذلك الوقت، قد لا تصلح اليوم. ففشلت استثماراتها في الارهاب في العراق وسوريا.
 انهزم المشروع الداعشي الذي بدأ ينقلب عليها، فالسيف الذي سلطته على رقاب «الآخر» قد قارب رقبة حكامها، وظهرت المملكة على صورتها الحقيقية بوصفها «ولاّدة» التنظيمات الاكثر عنفاً وراديكالية.
ان قيام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتحميل «الثورة الاسلامية في ايران» مسؤولية التطرف، والزعم أن هذا التطرف في المملكة انما ظهر بعد عام 1979 ليس بالأمر الجديد. فالمراجع «لأدبيات» كتّاب المملكة سيجد أن هذه التهمة مدونة في كتاباتهم منذ زمن بعيد، لا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
لم يجد محمد بن سلمان ومن سبقه حيلة لإبعاد تهمة الارهاب ورعايته عن المملكة الا بإيجاد عدو بديل، والواقع أن سياق تطور الجماعات الارهابية في العراق يشير الى هذا الامر.
من هنا، فان اتهام ايران بالمسؤولية يستدعي الدخول معها في «كباش». ولما كان السلاح المفضل للمملكة هو السلاح الطائفي، فإن الساحات التي يفترض أنها ساحات «احتكاك» هي تلك التي تحتوي على تنوع ديني ومذهبي، ليتحول هذا التنوع من كونه نعمة الى كونه نقمة.

تكفي المراجعة البسيطة لندرك أن هذه الساحات تتمثل بالتالي: البحرين، اليمن، العراق، سوريا، ولبنان.
  في البحرين اجتاحت «المملكة» «المملكة»، لكن هذا الاجتياح لم يوقف الحراك البحريني، ولم تنفع استفزازات السلطة ومن ورائها، بدفع قيادة الحراك البحريني للخروج عن سلميته من أجل اجهاضه.
وفي اليمن، عندما أعلنت المملكة العربية السعودية حربها على اليمن، كانت تظن أنها أيام أو اسابيع قليلة وتعلن انتصارها. لكن حسابات حقل «الامير المتوثب» لم تتوافق وبيدر الشعب اليمني. فوجدت المملكة نفسها في مستنقع يصعب الخروج منه.
الحرب على اليمن جاءت، في توقيتها، متوافقة مع انتشار داعش في العراق وسوريا( بعد حوالي 9 اشهر من احتلال داعش لأجزاء واسعة في العراق وسوريا). الا أن الاشهر التالية عاكست مشاريع المملكة وأحلامها، وحولتها الى أضغاث أحلام. غرق «آل سلمان» في رمال متحركة مستنزفة اقتصادها وهيبتها، فيما بدا وكان الحليف الاماراتي قد قطف في الجنوب أكثر مما قطفت المملكة.
وفي العراق، انهزم مشروع المملكة الاستثماري في داعش. وهو لفظ، أو يكاد، أنفاسه الاخيرة، بعد تحرير ناحية القائم.
أما في سوريا، فإن «أيام الاسد المعدودة» بدت أطول من أيام الكثير من أمراء المملكة وكبار رجالات الحرب على سوريا.
اذاً، انهزم مشروع «آل سلمان» في أربع ساحات من أصل خمس، ولم يتبق لهم الا لبنان. وفي أغلب الظن انهم يعتبرونه الساحة الاكثر حساسية. فوجود حزب الله فيه قد يدفع العديد من الاطراف للاصطفاف خلف المملكة في حربها عليه. وهي لائحة ليست بالصغيرة، تبدأ بالإسرائيلي وتنتهي بتلك اللائحة الطويلة من الدول التي شاركت في الحرب على سوريا، والتي تعتبر أن الحزب كان له الدور الفاعل في دعم الرئيس الاسد، وتحول المشهد السوري لصالحه.
من الواضح أن لبنان، بالنسبة للمملكة، يمثل خشبة الخلاص، والبقية الباقية لها للاحتفاظ، ولو بالقليل، من هيبة «حزم» تلاشت على بوابات صنعاء وبغداد ودمشق.
كما أنه من الواضح أيضاً أن المملكة لا تعول على قواتها الذاتية بقدر ما تراهن على دور اسرائيلي. إلا أن الأخير، لا سيما في الحروب، يعمل وفق أجندته الخاصة التي ينبغي أن لا تتعارض مع الأجندة الاميركية.
من هنا، فان احتمالات الحرب (العسكرية) على لبنان، لم ولن تقاس بمقدار حاجة المملكة لها، بقدر قياسها بمقدار الحاجة الإسرائيلية لها. وهكذا نفهم لماذا خطابات الردع التي يرسيها الحزب تتركز باتجاه الاسرائيلي، لا باتجاه «آل سلمان» ومملكتهم.

 

(محمود مرتضى - موقع العهد)

آخر الأخبار