اليمن على طريق الانتصار

شهدت جبهات القتال في اليمن، وعلى الحدود مع السعودية، في الأسابيع الأخيرة، تطوراً نوعياً تمثل في العديد من العمليات العسكرية التي أظهر فيها الجيش اليمني واللجان الشعبية القدرة على إحداث خروقات عسكرية مهمة على أكثر من جبهة، فيما ظهرت الجبهة المقابلة في حالة تراجع وانهيار. ويمكن تسجيل عدد من العمليات العسكرية والأحداث وهي على النحو الآتي:
ــ تقدّم قوات الجيش واللجان الشعبية وسيطرتها على عدد من المناطق الحيوية، يوم أمس، في جبهة مريس في محافظة الضالع، ما شكل حالة من الرعب والخوف في صفوف القوى العسكرية الجنوبية الموالية لدولة الإمارات.

ــ تمكن الجيش واللجان الشعبية، الأحد الماضي، من السيطرة على آخر معاقل مجموعات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي و«الإصلاح» الإخواني في مديرية بيحان في محافظة شبوة. وأكدت مصادر عسكرية أن اللواء 19 التابع لهادي سقط في أيدي الجيش واللجان الشعبية، الذين واصلوا التقدم وسيطروا على منطقتي العكدة والمحكمة، المطلّتين على مركز المحافظة في مدينة عتق.
ــ العرض العسكري الضخم الذي شارك فيه أكثر من 3 آلاف مجند في 16 من الشهر الحالي في حفل تخريج دفعة «البنيان المرصوص» في المنطقة العسكرية الرابعة في تعز، بحضور رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد، ونائبه الدكتور قاسم لبوزة وأعضاء من المجلس السياسي.

واستعرض في العرض العسكري العشرات من المدرعات والأطقم والأسلحة المتوسطة والخفيفة. وقد شكّل العرض بحد ذاته تحدياً كبيراً لحكومة صنعاء، إلا أن نجاحها في إخفائه عن أعين طياري العدوان شكل ضربة لمنظومة الاستطلاع والرصد واستخبارات التحالف.
ــ استمرار العمليات العسكرية على الحدود اليمنية السعودية، وقد شهد الجيش السعودي تراجعاً ملحوظاً أمام الضربات والتوغلات والإغارات للجيش واللجان الشعبية. وقد أعلنت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية عن استبدال الجيش السعودي بالحرس الوطني إلى الحد الجنوبي. وذكرت المجلة نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن تعزيز جبهة الحدود البرية السعودية يأتي لأهداف دفاعية، وليست هجومية وبتدريب وإمداد أميركي.
ــ إسقاط طائرة «أباتشي» الإماراتية، أول من أمس، في محافظة الجوف ومقتل طياريها.
ــ إسقاط الدفاعات الجوية للجيش واللجان الشعبية، بداية الشهر الحالي، طائرة تجسّس أميركية من دون طيار في العاصمة صنعاء، وهي من طراز «إم كيو 9». وقد تمّ إسقاطها في منطقة جدر شمال صنعاء.
بعد مضي أكثر من سنتين ونصف سنة على بدء العدوان السعودي، استخدم فيها «التحالف العربي» أحدث الأسلحة والمعدات، مع ملاحظة في زيادة الحضور الأميركي وانتقاله من الدعم اللوجستي والاستخباري والاستشاري والفني إلى المواكبة البرية الميدانية للمعارك على الحدود بين البلدين، بالإضافة إلى استقدام المزيد من المرتزقة الأجانب، للقتال إلى جانب القوات السعودية، ولا سيما من السودان وجنوب اليمن. كما أن قوات «التحالف» بالتعاون مع واشنطن، لا تزال تغلق المرافق الجوية والبرية والبحرية بشكل محكم على المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية. إلى ذلك، يستمر توقف دفع رواتب موظفي الدولة منذ سنة تقريباً. وتفشت الأوبئة والأمراض والجوع، وكذلك الانتشار السريع لمرض الكوليرا في كل محافظات البلد. بالإضافة إلى ذلك، وصلت زيادة نسبة الفقر في البلاد إلى المرحلة الخطرة، التي اضطرت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى إلى رفع الصوت عالياً، بوجه «التحالف»، مطالبة برفع الحصار والسماح لها بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع محافظات البلاد.
رغم ذلك، فإن سكان الجبال، وهو توصيف مواطني شمال اليمن الذي يضم النسبة الأكبر من عدد السكان (تقريباً 20 مليون نسمة)، فيما يسكن المحافظات الجنوبية تقريباً خمسة ملايين، يصرون (سكان الشمال) على الصمود والتضحية مهما كانت التكلفة. وإن ثمة إدراكاً جماعياً بأن الصمود مع ما يعنيه من تضحيات مهما طال عمر الحرب، وأن الدماء الغزيرة والعزيزة التي تغطي جميع محافظات الشمال بمذهبيه (الشافعي والزيدي)، هي في مسار سيادة قرار الدولة والكرامة الوطنية أقل بكثير من البقاء تحت الوصاية والهيمنة والإذلال.
واضح وجلي أن الشعب اليمني يستبطن في داخله شعور الغبن والمهانة من تلك العقود المديدة، التي رزح فيها بلدهم لوصاية اللجنة السعودية الخاصة باليمن، التي كان يرأسها ولي العهد الأسبق سلطان بن عبد العزيز وكان وجهاء البلاد ومسؤولو الدولة وقادة الأحزاب وزعماء القبائل، يحجون إليه، وبعض ضعاف النفوس كانوا للأسف يتسكعون، لينالوا من الأمير بعض الفتات، أو بعض المكاسب السياسية أو فقط لنيل رضاه وتقبيل يده. فيما كان اليمن يعيش الفقر والعوز والحاجة، رغم أن البلد مليء بالثروات والموارد ويتربع على موقع جغرافي يوصف بأنه جيو ــ استراتيجي (طول ساحله 2500 كلم، أهم الموانئ في العالم، باب المندب، جزر تتحكم بالمحيطات العميقة)، بالإضافة إلى أن الشعب اليمني تواق إلى العلم والمعرفة.
مما لا شك فيه أن الشعب اليمني، بمضيّه في رحلة الصمود والصبر الاستراتيجي، ينجز ما عجز عن إنجازه في السابق، ولعل عوامل محلية عديدة ساعدت في تقوية مداميك وأسس الصمود، وأهمها:
- وحدة الجبهة الداخلية، وإن شابها أحياناً بعض الخدوش إلا أن تماسكها فوّت على الأعداء فرص استغلال الثغرات والثقوب التي يمكن أن ينفذ منها الأعداء.
ــ تفعيل مؤسسات التكافل الاجتماعي والقبلي، وكذلك تشجيع الأعمال الفردية والجماعية، إذ يحفل اليمن بكم هائل من المؤسسات والجمعيات الخيرية المعنية بالنشاط الإنساني والإنمائي والصحي وغيرها.
ــ المدد الثقافي والتوعوي، في نشر ثقافة الصمود والتضحية، وقد ظهر أن منسوب الوعي الجماهيري حتى في الأرياف البعيدة مساوٍ لمستوى التفكير السياسي والقيادي، ولا تجد القيادة السياسية اليمنية، ولا سيما «حركة أنصار الله» أنها بحاجة إلى بذل الجهد لإقناع الجماهير أو لصناعة رأي عام. غير أن القادة وأصحاب الرأي يقومون بواجبهم بوضع الشعب بآخر المستجدات.
ــ مشاركة الإعلام اليمني الوطني في معركة التصدي والصمود، وتحوّل معظم الوسائل الإعلامية وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي إلى إعلام حربي، ينقل بطولات الشباب اليمني على جبهات القتال، وفرار ضباط وجنود العدو من أرض المعركة، ما شكل حالة من الاعتزاز الوطني بقدرات الشعب وبسالة رجاله.
ــ شكل الاغتراب اليمني في الخارج رافداً مالياً مقبولاً، إذ إنه مهم في تعزيز بقاء الأسر في البلاد، بالإضافة إلى أهميته في إيصال صوت الداخل اليمني إلى بلاد الاغتراب.

 

(لقمان عبدالله - الاخبار)

آخر الأخبار