صعدة: عندما يحوّل العدوان العزاء إلى عادة يومية

التنقل بين مجالس العزاء في محافظة صعدة، برنامج يومي للكثير من سكان المحافظة التي يستوطن فيها الموت والبؤس والأحزان. منازل مهدّمة لا تزال على حالها منذ الحروب الستة 2004 - 2010م. ليأتي العدوان الذي تقوده السعودية من مطلع العام 2015م، فيهدم أكثر من 3 آلاف منزل، ويجبر ما يقارب 250 ألف أسرة على النزوح، وفق إحصائية حديثة حصل عليها «العربي» من المجلس المحلي بالمحافظة.
في مخيمات النزوح بضروان شمال صنعاء، ومدينة خمر بمحافظة عمران، تعيش آلاف الأسر الصعدية على فتات المنظمات الإنسانية. فيما فضلت بقية الأسر التي هدم طيران تحالف العدوان السعودي منازلها وقتل الكثير من أفرادها، العيش في الكهوف والجروف، خصوصاً في المديريات الجبلية كحيدان وساقين ورازح. ومع ذلك، ظلت ولاتزال عرضة للموت القادم من السماء، حيث يلقي الطيران بحمولاته من الصواريخ والقنابل العنقودية في كل جبال وشعاب ووديان صعدة.

تحت القصف
يباغت طيران تحالف العدوان المدنيين في محافظة صعدة، حتى في أوقات الصلوات. تقابلك المساجد فيها بمآذن مهدّمة وقباب لم يتبق منها سوى هياكل الحديد، ومدارس تكوّمت جدارنها فوق بعضها. في مركز المحافظة المكتظة بالمدنيين، دمّر طيران تحالف العدوان جانباً كبيراً من جامع الهادي وفرع البنك المركزي وديوان المحافظة ومباني البريد والإتصالات، وعدداً من قاعات التعليم بجامعة صعدة، ومشروع المياه ومحطات الغاز، وجميعها محاطة بالمساكن التي تهدّمت العشرات منها وقتل الكثير من قاطنيها. تتوقف مظاهر الحياة والعمران في صعدة وتتوسّع المقابر.
ينتظم أهالي الجرحى والمرضى في طوابير بالمستشفى الجمهوري بمركز المحافظة، ويظل البعض لأيام حتى يأتي دوره لعرض الحالة التى يرافقها على الطبيب. مدير المستشفى الجمهوري الدكتور محمد حجر قال لـ«العربي»، إن المستشفى يواجه نقصاً في الأدوية والمستلزمات الطبية والسعة السريرية، وحالياً لدينا 150 سرير فقط، والجرحى والمرضى الذين يقصدون المستشفى يومياً بالمئات، كما تواجهنا إشكالية نقص الكوادر التخصّصية في مجالات المخ والأعصاب والعيون والأوعية الدموية.
إلى جانب المستسفى الجمهوري، يوجد في مركز المحافظة «مستشفى السلام»، وهما يقدمات الخدمات للجرحى والمرضى بدعم من منظمات دولية، لكن مع تعرّض محافظة صعدة للنصيب الأكبر من قصف الطيران، تقف جميع المستشفيات العامة والخاصة عاجزة عن تقديم الرعاية الطبية، خصوصاً في أقسام الطوارئ والعمليات الجراحية والعناية المركزة، وبسبب ذلك يفارق بعض الجرحى الحياة في ممرات المستشفيات.

جرائم حرب
يرتكب تحالف العدوان السعودي جرائم حرب في محافظة صعدة. خلال الأيام الخمسة الأولى من أكتوبر الجاري، قتل 19 مدنيا بغارات للطيران بينهم 5 أطفال. مدير مكتب الصحة بالمحافظة عبدالإله العزي، قال لـ«العربي» إن «عدد الشهداء والجرحى جراء غارات طيران العدوان السعودي من مارس 2015 وحتى سبتمبر 2017م، وصل إلى الفين و114 شهيداً، كحصيلة تقريبية، أغلبهم نساء وأطفال، فيما بلغ عدد الجرحى 8 آلاف و520 جريح، بالإضافة إلى ألف و430 معاق منذ بدء العدوان على اليمن».
ولفت العزي إلى أن «مرض السرطان انتشر بشكل مخيف جرّاء استخدام العدوان للأسلحة المحرّمة، حيث بلغ عدد الحالات المصابة 713 حالة».

مقابر جماعية
المديريات الحدودية في محافظة صعدة (رازح. شدا. الظاهر. باقم. حيدان. منبه. الصفراء) هي الأكثر عرضة لقصف طيران تحالف العدوان، وتواجه الفرق الطبية والمنظمات الإنسانية صعوبة في الوصول اليها.
سكان محليون من مديرية باقم، قالوا لـ«العربي»، إن مزارعهم تحوّلت إلى حقول للقنابل العنقودية التي تقتل أطفالهم ومواشيهم، و«صارت الحياة هنا جحيماً لا يطاق»، مع ذلك يتمسّك السكان في المديريات الحدودية في صعدة بالبقاء في مزارعهم، فهي مصدر دخلهم الوحيد، ولا خيار بديل سوى مخيمات النزوح أو التسوّل.
المزارع علي مغرم، والذي يسكن في منطقة جذوة بمديرية باقم، يقول لـ«العربي» إن «بجوار منزلي 3 مقابر جماعية تضم ثلاث أسر قتلها الطيران السعودي قبل شهرين في منتصف الليل وجمعنا أشلاء الضحايا من بين أنقاض المنازل إلى طرابيل، ودفنا كل أسرة في قبر جماعي بسبب تناثر أجسادهم وعدم التمييز بينها».

عناقيد الموت
تستورد السعودية منتجات صعدة الزراعية وتقاطر الشاحنات منها محمّلة بالرمّان والبرتقال والخضار عبر الجوف وصولاً إلى منفذ الوديعة. لكنها تقابل ذلك بإلقاء أطنان من القنابل العنقودية على مزارع المواطنين وقصف حفارات المياه وثلاجات التبريد.

تشن الرياض مع حلفائها عدواناً على اليمن، ولم تتمكن من استعادة المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو الجيش اليمني واللجان الشعبية في نجران وجيزان وعسير، لكن طيرانها ومدافعها الطويلة المدى تقصف محافظة صعدة بشكل عشوائي ليل نهار، مخلفة المجازر في صفوف المدنيين من النساء والأطفال.
وعلى الرغم من ذلك، لا يتفاعل أهالي صعدة مع أكوام المنشورات التي يلقيها طيران تحالف العدوان والتي تدعوهم إلى التعاون معه لـ«إعادة الشرعية». حتى صارت منشورات تحالف العدوان  تزاحم مخلّفات أسواق القات في شوارع مدينة صعدة.

آخر الأخبار